خياران أمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ إما تسليح الثوار السوريين أو مشاهدة الأسد يزعزع الاستقرار في المنطقة
ديفيد شينكر
على مدار معظم العامين الماضيين، لم تتخذ أوروبا والولايات المتحدة سوى التدابير الدبلوماسية والإنسانية، في الوقت الذي قام فيه نظام الأسد بقتل ما يقرب من 80,000 مدني وأجبر مليوناً آخر على الهرب طلباً للجوء في الدول المجاورة. وعلى الرغم من الصعوبات الجمّة وهذه الحصيلة الثقيلة، حقق الثوار السوريون بعض المكاسب الملحوظة في ساحة القتال.
ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة واجهت المعارضة بعض العقبات مع قيام حلفاء الأسد — روسيا وإيران والمنظمة الإرهابية اللبنانية الشيعية «حزب الله» — بتعزيز قدرة النظام. ولن يسهم قرار الاتحاد الأوروبي برفع حظر توريد الأسلحة في عكس الروح المعنوية لصالح الثوار على الفور، لكنه خطوة أولى مهمة بعيدة عن الازدواجية التي اتسمت بها السياسة الغربية تجاه الصراع السوري على مدار فترة طويلة.
وحتى الآن، لم يقدّم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سوى القليل نسبياً لكي يبرهنا رغبتهما الحقيقية في تحقيق النصر من جانب المعارضة. بينما لا نرى مثل هذا الغموض من جانب حلفاء الأسد. فـ «حزب الله» ينشر بعض قواته في سوريا، وإيران ترسل مستشارين عسكريين ومال، بينما تقدم موسكو الأسلحة، بما في ذلك أسلحة متطورة مضادة للطائرات من نوع S-300 تهدف إلى إثناء الدول الغربية عن التدخل. وفي الوقت نفسه، حيث تأخذ روسيا وإيران و«حزب الله» خطوات فعلية لضمان بقاء الأسد في السلطة، يدفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أجل انعقاد مؤتمر للسلام في جنيف خلال شهر تموز/يوليو.
وفي الأسبوع الأخير من أيار/مايو، أصدر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بياناً يصف الحظر المرفوع عن توريد الأسلحة بأنه “إشارة واضحة لنظام الأسد مفادها أن عليه التفاوض بجدّية في جنيف، محذراً من أن “جميع الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة إذا يرفض القيام بذلك”. لذا، فلنأمل أن يكون جادّاً، لأن مؤتمر “جنيف الثاني” ليس لديه سوى فرصة ضئيلة للنجاح. وعلى الأرجح، سوف يُضعف هذا المؤتمر من القيادة السياسية للمعارضة في عيون الثوار، كما سيفتت المعارضة السياسية اليائسة فعلاً.
وعلى أي حال، لا يملك الأسد أي نية لمغادرة سوريا. ولنأخذ بعين الاعتبار التجاوب القتالي الذي عبّر عنه في صحيفة “البعث” الناطقة بلسان النظام، مع ورود أنباء عن رفع حظر توريد الأسلحة: “لا يمكن لفرنسا وبريطانيا وسيدتهم أمريكا قبول النصر العسكري السوري، لأن هذا يضع بيد سوريا أمر وضع قواعد الحل السياسي في مؤتمر «جنيف الثاني»”. وإذا ما استمر المضي قدُماً في هذا المسار– ومع استمرار الدعم من الجانب الروسي– فإن تقدير الأسد سيثبت دقته على الأرجح.
وسواء جرى انعقاد مؤتمر جنيف أم لم ينعقد، سوف تستمر الحرب في سوريا، علماً بأن هذه الأزمة ليست من النوع الذي يتقادم. كما أن مخاطر ضعف الاستجابة المتواصل من قبل الغرب — بما في ذلك زعزعة الاستقرار في كل من لبنان والأردن، و/أو تسرب الأسلحة الكيميائية التي بحوزة الأسد إلى المنظمات الإرهابية — تفوق بكثير مثيلتها المصاحبة للمطالبات بتزويد الثوار بالأسلحة.
وفي الحقيقة، فإنه منذ أكثر من عام، كان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد فوّضا جوهرياً السعودية وقطر بمهمة تسليح المعارضة، وهما دولتان منحازتان للتيار السلفي و «الإخوان المسلمين» على التوالي. وبالتالي، تصاعدت أعمال العديد من الميليشيات الإسلامية في سوريا، التي ينتمي بعضها إلى تنظيم «القاعدة».
إن إنهاء الحظر يمهّد الطريق أمام أوروبا — وربما اعتباراً من من شهر آب/أغسطس، في أعقاب فشل مؤتمر جنيف — من أجل البدء في توفير الأسلحة لقوات ثورية غير إسلامية بعد التحقق منها بعناية. إن هذه الوحدات، بما تتمتع به من موارد جيدة، سوف تجذب المزيد من الأتباع وتكبّد قوات النظام مزيداً من الأضرار كما ستمثل ثقلاً موازناً مهماً للميليشيات الإسلامية.
وعندما يُهزم الأسد في نهاية الأمر، فإن الديناميكية المتغيرة على الأرض سوف تجعل الوحدات غير الإسلامية أقدر على القتال على نحو أفضل من أجل مستقبل سوريا. وعلاوة على ذلك، فمن خلال بناء علاقات مع هذه العناصر المسلحة الآن، قد يتمكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من المساعدة في إحباط والسيطرة على تهديدات التطهير العرقي للأقلية العلوية في المجتمع السوري التي ينحدر منها نظام الأسد، والتي تلوح في أفق ما بعد الحرب.
صحيح أن إضافة المزيد من الأسلحة إلى الساحة السورية قد يساعد المعارضة، على المدى القصير، في قتل مزيد من الناس. وصحيح أيضاً أن بعض هذه الأسلحة قد يقع في أيدي إسلاميين، لكن سوريا تعج بالأسلحة، والإسلاميون يمتلكون ترسانة ضخمة فعلاً. وبصرف النظر عن ذلك، فليس من المرجح بالنسبة لأي دولة غربية أن تتيح للمقاتلين الحصول على “أنظمة الدفاع الجوي المحمولة” (MANPADS)، وهو السلاح المضاد للطائرات بالغ الخطورة، تفادياً لإمكانية إعادة نشره واستخدامه ضد طائرات الركاب المدنية. ويقال إن الثوار يحصلون على هذا النوع من السلاح من المخازن الليبية التي تم الاستيلاء عليها بعد الحرب.
وإذا ما أقدمت أوروبا على توفير أسلحة للمعارضة السورية وعندما تقوم بذلك، فقد يتسبب هذا الأمر في حدوث بعض الاحتكاكات مع واشنطن. فأوروبا تميل ببساطة، في الوقت الحالي، إلى التقدم في شأن الصراع السوري. ولكن مع استمرار انتشار الخراب بشكل مفرط في المنطقة جرّاء الحرب — وبعد فشل اجتماع جنيف — سوف تتحول إدارة أوباما في نهاية الأمر إلى الوقوف في صف المعارضة التي تدعمها أوروبا.
وفي غياب الحل غير المحتمل إلى حد بعيد والمتعلق بالمفاوضات، فإن أي شيء أقل من هزيمة الأسد ستكون انتكاسة ليس فقط للسوريين، بل لواشنطن وحلفائها الأوروبيين.
المصدر
معهد واشنطن.