درس من التحالف السوري ـ الإيراني/ حمد الماجد
عندما اندلعت الثورة السورية كان المراقبون موقنين بأن عوامل نجاحها الحاسم والسريع موجودة في كينونتها حتى ولو كان النظام السوري يتكئ بقوة على الدعم الروسي الإيراني، فنظام بشار يعد من أقدم ديناصورات النظم الديكتاتورية الدموية التي تصارع من أجل البقاء، في عالم صار أكثر انفتاحا وأكثر لفظا للأنظمة الاستبدادية الباطشة، كما أن نظام بشار يعد طائفيا بامتياز وإن تدثر بالعروبة وتسربل بمقاومة إسرائيل، والأخيرة كفيلة باستعداء 90 في المائة من غير النصيريين من شعبه، ثم إن طائفته ليست متكافئة عددا مع السنة كما هو الحال في العراق، فالنصيريون لا تزيد نسبتهم على 10 في المائة في أكثر التقديرات كرما، ونظام بشار أيضا صارت تربطه بالدول العربية علاقات متوترة أو في أحسن أحوالها فاترة متكهربة، فما الذي جعل نظاما آيلا للسقوط يتماسك سنوات عجاف ثلاثا، وكانت التقديرات تتوقع أن ينهار في بضعة أشهر؟ وما الذي جعل بنية النظام تتماسك فلا يحدث فيها انشقاقات خطيرة؟
وقد كان متوقعا أن يبرز تيار في الطائفة العلوية يزيح عائلة الأسد الحاكمة، التي وإن انتمت لطائفة العلوية، إلا أنها أيضا همشت شرائح واسعة من الناقمين، فكيف استمروا في الولاء لبشار وهم يشاهدونه يترنح؟ وكيف تمكن نظام بشار من الحفاظ على ولاء الجيش والاستخبارات وقوات الأمن التي وإن سيطر على مفاصلها أفراد من طائفته، إلا أن الحقيقة الأخرى تقول بأن نسبة كبيرة من ضباط الصف وصف الضباط هم من السنة، ومع ذلك فقد استمروا في الولاء للنظام على الرغم مما يشاهدونه من بطش بشار بشعبه، حتى ليخال للمراقب المحايد أن الدمار الهائل الذي يمارسه بشار في حق سوريا وشعبها وبنيتها التحتية، إنما هو تصرف محتل يريد عمدا تدمير البلد لا حاكم يريد الاستئثار بالسلطة.
هناك عوامل داخلية وخارجية تجيب عن التساؤلات الآنف ذكرها، منها الدعم الروسي الإيراني الاستراتيجي لنظام بشار، وتفكك الجبهة الداخلية للمعارضة وتنازعها على صعيد الجبهة الداخلية، وضعف الموقف العربي، وتردد الموقف الدولي ثم في الأخير رضوخه لابتزاز النظام تحت شعار التخلص من الترسانة الكيماوية، وأخيرا دخول تيار القاعدة في عملية إسقاط النظام والاحتراب الدموي بين بعض الفصائل الجهادية، كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها ساهمت في تأخير انهيار النظام، هذه حقيقة، والحقيقة الأخرى أنه من الاستحالة بمكان أن يستمر النظام، أو أن تعود الأحوال في سوريا لما كانت عليه قبل الثورة، فالنظام مهما تماسك فهو منهك القوى، وليس له هدف سوى إبطاء الانهيار الكامل ومحاولة تحقيق انتصارات على الأرض تعينه على كسب نقاط في أي تسوية سياسية قادمة.
الذي يهمنا من الدرس السوري هو قدرة التحالف الاستراتيجي الإيراني مع نظام بشار على التركيز على المشتركات السياسية والعقائدية وغض الطرف عن الاختلافات الأخرى، فاستطاع هذا التحالف القوي أن يستمر منذ قيام ثورة الخميني نهاية السبعينات إلى هذه اللحظة، مع أن الكل يدرك الفروق بين المذهبين الاثنى عشري والنصيري وإن اتفقا في الانتساب للمذهب الشيعي، وقد أدرك ضرورة تقليصها القائد الشيعي اللبناني البارز موسى الصدر، فأعلن في السبعينات أن المذهب العلوي مذهب شيعي معترف به، فطلب منه حافظ الأسد العمل على نشر التبشير بالمذهب الاثنى عشري في طائفته، لأن الاثنين أدركا بثاقب بصرهما الطائفي أن تحالفا مع ثورة الخميني سيقوي نظام الأسد الطائفي في محيط السنة الكبير، ويمنح إيران منفذا استراتيجيا لنشر تبشيرها ونفوذها السياسي والعسكري، ولتحقيق هذه الغاية المهمة لم يكترث النظامان الإيراني والسوري للاختلافات الآيدلوجية بين النظامين الإيراني ذي المرجعية الشيعية الواضحة، والنظام السوري ذي المرجعية العلمانية، وبقي الانتماء الطائفي حلقة وصل فولاذية تذوب أمامها كل الاختلافات الأخرى وإن بدت جوهرية، يقابله مع شديد الأسف تخلخل في المعسكر السني، على الرغم من ضخامة عدده وإمكاناته، فالعلمانيون السوريون بكل أطيافهم والإسلاميون بكل ألوانهم لم يستطيعوا أن يصدقوا مع أنفسهم ومع قضيتهم الكبرى، فأخفقوا في تحديد المشتركات للعمل عليها وفشلوا في تعيين المختلف عليه لتأجيل البت فيه وتجاوزه ولو مؤقتا، فكانت النتيجة الكارثية في تماسك نظام يقتات على الدم والطائفية والخلافات في معسكر خصومه.
الشرق الأوسط