درعا في مواجهة الأسد
شاكر الناصري
الجثث المتناثرة في شوارع مدينة درعا السورية والتي تقوم القنوات الفضائية ببث صورها ضمن نشراتها الأخبارية تفوق ال 10 وهو الرقم الذي أعلنته السلطات الرسمية السورية وكذلك تفوق ال37 التي اعلنها الاطباء في مستشفى المدينة لأحدى وكالات الأنباء . نشطاء وشهود عيان يقولون أن العدد أكبر واكثر من ذلك بكثير . الارتباك الذي أصاب النظام السوري ورموزه يدلل على ان ما أرتكب في تلك المدينة الصغيرة كان مجزرة حقيقية .
الرئيس السوري بشار الأسد وعلى لسان ، بثينة شعبان ، مستشارة الرئاسة للشؤون السياسية والأعلامية ، أعلن انه لم يعطي الاوامر للجيش لأطلاق أو استخدام الرصاص الحي من أجل تفريق المتظاهرين . الأخبار تقول أن الحكومة السورية أرسلت فرقة عسكرية كاملة الى درعا بعد أخذ موافقة الجانب الاسرائيلي على تحريك هذه الفرقة . القيادة القطرية لحزب البعث في سوريا تتدارس تنفيذ اصلاحات سياسية وأقتصادية وأطلاق الحريات الصحفية والأعلامية بهدف الرد على أحتجاجات مدينة درعا وباقي المدن السورية وكذلك تتدارس ألغاء قانون الطوارىء المعمول به منذ 1968 ، هذا القانون يصادر كل شيء ، الحريات السياسية وحرية التعبير عن الراي وحرية الصحافة والسفر والتجمعات والتظاهرات والاضرابات العمالية والمهنية . هذا القانون وبقدر ما أستلب الحريات بمعناها الاعم والاشمل في سوريا وأحالها الى سجن كبير ، فأن السلطة وقيادات حزب البعث وكوادره الذين استغلوا هذا القانون كوسيلة لأخضاع وأذلال السوريين ، قد مارسوا كل ما يمكنهم من الأبتعاد عن الشعب الذي يعاني من الفقر والبطالة والفساد المستشري في كل مفاصل الحياة السورية ووجدوا فيه كذلك الأداة المرعبة التي مكنتهم من فرض نظام تعسفي وأستبدادي مخيف . تقارير المنظمات والهيئات الحقوقية تتحدث عن 10 الاف سوري ممنوعين من السفر وعن سجون ومعتقلات كثيرة ومخيفة ، وعن مراكز اعتقال وفروع أمنية لا أحد يعرف عددها ولا اماكنها السرية .
ما حدث ويحدث في درعا ، المدينة الصغيرة ، قد جعل النظام السوري ومجمل أدعاءاته السابقة حول الاستقرار وألتفاف الشعب حول القيادة على المحك وفي مواجهة الاستحقاقات التي يجب الأنصياع اليها في آخرة الامر . سوريا تختلف عن تونس وعن مصر ، هكذا قال بشار الاسد كما قال العديد من الحكام العرب لكن أستعداد الناس للتضحية من أجل حقوقهم وحرياتهم وأنهاء الظلم وطغيان الحزب الواحد والعائلة الواحدة يؤكد أن أطياف البوعزيزي تلوح في الآفاق وأنها ستكون دافعا للسؤال الدائم لدى غالبية الشباب وكل من فقد حريته جراء قمع السلطات الدكتاتورية : ما فرقنا عنه وعن شباب تونس أو مصر ، أو الى متى سنعيش في هذا الذل ؟
الوعود الاصلاحية في النظام السياسي وتحسين المستوى المعاشي والغاء قانون الطوارىء وتوفير فرص العمل التي أطلقها النظام السوري يوم أمس ، هي ذاتها الوعود التي أطلقها الحاكم والأنظمة العربية بعد أن وجدوا ان محكوميهم قد نزلوا الى الشوارع يطالبون بكل ما أستلب منهم ، الحرية وحق العيش بكرامة ، الا أن هذه الوعود دائما ما تأتي متأخرة تماما وبعد أن يتجاوزها الزمن ، زمن الوقائع وحركة الشارع والمطالب المتصاعدة التي تسير سريعا وعادة ما تكون خارج حسابات الحكام والأنظمة ولايستطيعون اللحاق بها نتيجة تزمتهم وتعاليهم ونظرتهم الدونية للشعوب التي يحكمونها وسرعة تبنيهم لنظرية المؤامرة الخارجية ووجود مجاميع متطرفة وأجرامية أو قوى سياسية معارضة تهدف الى زعزعة الامن والاستقرار والحصول على مكاسب سياسية لذلك يجب التعامل معها بقوة وحزم وبعنف شديد .
الضحايا الذين يسقطون والدماء التي تسيل والاهانات القميئة ضد الشعوب كلها ستكون دافعا قويا للاصرارعلى مطالب تتجاوز الاصلاح وألغاء نظام الطوارىء أو توفير فرص العمل ، سيكون المطلب هو ، الشعب يريد اسقاط النظام . مطلب كهذا سيزيد من رغبة الذين يجدون أن هذا النظام الحاكم أو ذاك يشكل عائقا أمام تطلعاتهم الأنسانية المشروعة ويزيد من فقرهم وينتهك أبسط خصوصياتهم ، رغبتهم في العيش حياة أفضل يشعرون فيها بكرامتهم وحرياتهم ولا يتم التعامل معهم كعبيد أو توابع لهذا الحاكم أو ذاك وأن يكونوا شركاء في رسم مصيرهم ومستقبلهم .
سوريا اليوم حالها حال الكثير من الدول العربية التي تقع تحت التأثير الفاعل لعاصفة التحرر والخلاص من الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية التي تمارس الحكم منذ عقود طويلة . هذه العاصفة أقتلعت بن علي وحسني مبارك رغم كل ما ما رسوه من قمع وأنفراد بالسلطة والتحكم بالملايين من المصريين والتونسيين ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام لحظة تاريخية وحاسمة نطقت فيها الشعوب بقرار حكمها ضد هذه الأنظمة . هذه العاصفة في طريقها لاقتلاع علي عبد الله صالح في اليمن ومعمر القذافي في ليبيا وهي تواصل المسير رغم كل المعرقلات وحشود الجيوش وتحالف الأنظمة من أجل منعها من الوصول الى دول أخرى . أن لم تنجح في أسقاط أنظمة معينة كما حدث في البحرين ، فانها تكون قد وجهت رسالة صافية وشديدة الوضوح للحكام والأنظمة بأحقية الشعوب في ثرواتها ومقدراتها وفي تقرير مصيرها ومستقبلها وإن كل قوانين القمع والمصادرة والانتهاكات لن تجدي نفعا .