دستور الأقليات السوريّة؟/ حسان القالش
بعيداً من الخوض في نوايا روسيا، وهي غير صادقة غالباً، في ما يتعلق بمسألة الأقليات السورية إذا ما احتكرت تمثيلها أمام الرأي العام العالمي، يبرز السؤال عن الآليّة التي ستتّبعها لمعالجة هذه المسألة واحتمالات تحقيق نجاح حقيقي في ما يخصّ تطبيقها، إذا ما تمّ التوصّل إلى تسوية ما للقضيّة السوريّة، خصوصاً أن الحديث اليوم يدور حول اقتراح إضافة تشريعات دستورية تضمن حقوق الأقليات ومصالحهم ضمن دستور جديد.
بداية، لا بد من الإقرار بأن استبعاد السوريين من البحث في هذه المسألة هو إهانة لهم ولتاريخهم. والمؤسف هنا، أن من بين المبررات الحقيقيّة لهذا الاستبعاد اهتراء النخبة السياسية المعارضة المفترض بها الخوض في هذه المسألة، خصوصاً أن الأمر لا يقتصر على توافر خبرات رجالات القانون فقط، بل يتطلّب وجود رجال دولة قادرين على رسم ملامح العقد الاجتماعي والقانوني لسورية المستقبل. هذا إضافة إلى أنّ هذا الاستبعاد سيخلق العديد من العراقيل لعلّ أقلّها خطورة هو صعوبة تنفيذ تلك التشريعات على أرض الواقع، كما أنّه سيساهم في تكريس مسألة الأقليّات كعقدة من عقد عدم الاستقرار وإدامتها ذريعة للاحتلالين الروسي والإيراني والتجاذب الدولي. بيد أن أخطر ما في الأمر يكمن في «دسترة الأقليّات» إن صحّ التعبير، وهو ما يختلف في معناه ومقاصده عن مجرّد إقرار بتنوّع المجتمع السوري الكبير وضرورة أن يحيط الدستور بهذا التنوّع. فالوصول إلى أمر واقع يدستر الأقليّات هو إقرار باستحالة اندماج أو تعايش المكونات السورية ضمن إطار دولة – أمّة حديثة، إضافة إلى كونه يمنع أي محاولة مستقبليّة لتجاوز هذه الاستحالة، وهذا يعني في شكل أو في آخر إعادة إنتاج لقانون الملل العثماني الذي سيعيد بدوره إنتاج الأحقاد بسبب الفرز والتمايز اللذين سيتسبّب بهما، وما ينجم عن ذلك من نشوء طبقة أو فئة من أصحاب «الامتيازات» المحمييّن دستوريّاً وربّما دوليّاً.
والحق أن موضوع حقوق الأقليّات ودستَرتها ليس بجديد على السورييّن، فقد كان مادّة لجدل قانوني وسياسي ظهر منذ فترة الانتداب الفرنسي. فعندما تمكّن السوريّون من إصدار أوّل دستور للبلاد بأنفسهم في 1928، كان المشرّعون وعلى رأسهم فوزي الغزّي، قد تجاهلوا عمداً ذكر مصطلح «الأقليّات» ضمن تشريعاته، إصراراً منهم على مبدأي المساواة والمواطنة، اللّذين شكّلا الصيغة الأمثل لضمان حقوق الأقليّات، وهو ما أثار أعجاب سلطة الانتداب الفرنسي وقتها. فيما قاوم مشرّعون وسياسيّون من أبناء الأقليّات ومنهم إدمون ربّاط، الضغوط الفرنسية في 1936 لإضافة ملاحق إلى المعاهدة السورية الفرنسية تضمن حقوق الأقليّات، إذ جادل ربّاط بأنّ ذلك أشبه بمناورة تثبّت امتياز المسيحيين عن غيرهم كما كان الأمر في العهد العثماني المتأخّر.
راهناً، سيكون الاتّجاه إلى دسترة الأقليّات التي تعمل روسيا على صياغتها، الذريعة السياسيّة الأكثر وجاهة وإقناعاً للغرب للتراخي في ما يتعلّق بمصير الأسد أو بإعادة تدوير نظامه، لتبقى الأقليّات رهينة لمزاج المستبدّ وضحيّة من ضحايا غرور معارضيه.
* كاتب وصحافي سوريّ.
الحياة