صفحات الناس

دير الزور: الأزمة الإنسانية تتفاقم.. والأهالي يُمنعون من المغادرة/ مروان أبو خالد

 

 

وسط صمت إعلامي ودولي مريب، تستمر معاناة 300 ألف مدني، قرابة نصفهم من النساء والأطفال، من أبناء مدينة دير الزور المحاصرين منذ قرابة خمسة أشهر. هذا الحصار ينذر بوقوع أكبر كارثة إنسانية على امتداد سنوات الأزمة في سوريا، فالسكان المحاصرون لا يجدون ما يسدون به رمقهم، ويواجهون الموت جوعاً بسبب النقص الحاد في مختلف المواد الحيوية للمعيشة، على الرغم من غنى دير الزور بثرواتها الطبيعية التي استنزفتها الحرب الطاحنة، إذ تملك أكثر من 50% من نفط سوريا، كما ساهمت عام 2011 بقرابة 10% من إنتاج القمح السوري، 16% من إجمالي إنتاج الذرة الصفراء، و10.2% من انتاج الشمندر السكري، حسب الإحصاءات الرسمية.

تفشّي الأمراض

سيطر “داعش” على معظم أراضي محافظة دير الزور منذ تموز الماضي،  وهو يبسط سيطرته على غالبية المدن والقرى الشرقية في المحافظة وصولاً إلى البوكمال على الحدود العراقية، ويفرض حصاراً خانقاً على الأحياء التي يسيطر عليها النظام منذ مطلع كانون الثاني المنصرم، إذ ينتهج “داعش” سياسة العقاب الجماعي ضد جميع أهل دير الزور المحاصرين ويمنع دخول أي مواد غذائية أو طبية إليهم، وذنبهم الوحيد أنهم يقطنون ضمن “مناطق سيطرة الكفار”، وفق أدبيات التنظيم. ومما سيزيد الأمور سوءاً، سيطرة “داعش” على تدمر مؤخراً، إذ كانت قوات النظام تنقل من مطار تدمر الذي سيطر عليه التنظيم حالياً، إمدادات إلى مطار دير الزور، وسقوط مطار تدمر يزيد من احتمالات انسحاب النظام من الأحياء المحاصرة وتسليمها لـ”داعش”.

من ناحيته يمنع النظام أيضاً خروج المدنيين ولا يسمح بدخول المواد الغذائية إلا عن طريق التجار المرتبطين به، وبكميات قليلة وبأسعار مرتفعة، إذ يتم إدخال هذه المواد عبر مطار دير الزور، وبحسب ما صرح به الناطق باسم حملة “معاً لفك الحصار عن دير الزور” جلال الحمد، فإنه “سُمح لبعثة الصليب الأحمر بإدخال 10 طن من السمن، و10 طن من الأرز بتاريخ 13 نيسان الماضي، ولكنه لم يوزعها إلا بتاريخ 12 أيار الجاري”، وأضاف الحمد لـ”المدن” ان “التوزيع إقتصر على النازحين المتواجدين داخل بعض الأحياء منذ 2012، واستثنى السكان الأصليين الذين يصل عددهم إلى 90 ألف نسمة، ورفض النظام بعدها إدخال أي قافلة جديدة الى المدينة”.

وفي ما يخص الصيدليات، أكّد الحمد أن “صيدليات المدينة خالية من الأدوية وخصوصا أدوية الأمراض المزمنة، إضافة إلى مغادرة 95% من الأطباء الاختصاصيين المدينة”. وعن وضع المستشفيات يضيف: “لا يعمل داخل المدينة سوى مستشفى الأسد وهو مستشفى رسمي يستخدمه النظام لمعالجة جرحاه”.

نقص الأدوية والمياه أدى الى انتشار أمراض كالقمل والجَرَب وغيرها، وبحسب الحمد فإن “الهلال الأحمر لم يدخل الكلور السائل المستخدم في تعقيم مياه الشرب إلى داخل الأحياء المحاصرة منذ أكثر من 8 أشهر، فاعتمدت محطة مياه دير الزور على مادة هيبوكلوريت الصوديوم كبديل منه، لكن هذه المادة نفدت منذ أكثر من شهرين ما أدى إلى تلوث مياه الشرب، وسجلت الحملة حالات إصابة بالحمّة التيفية بسبب تلوث المياه”.

انقطاع الكهرباء

ليس غلواً القول إن الحصار المزدوج الذي يفرضه كل من “النظام” و”داعش” على دير الزور، قد أعاد السكان إلى حياة القرون الوسطى، فالأحياء المحاصرة تعيش في ظلام دامس مع استمرار انقطاع الكهرباء منذ 25 آذار الماضي، وما يزيد المعاناة هو شح البدائل المستخدمة في الإنارة، إذ يرتفع سعر ليتر البنزين إلى 2000 ليرة (6.8 دولارا) ما يمنع السكان من استخدام المولدات الكهربائية، ويصل سعر ليتر المازوت إلى 1800 ليرة (6.1 دولارا)، أما قارورة الغاز فأصبح شراؤها شبه مستحيل مع ارتفاع سعرها إلى 10000 ليرة (34.1 دولارا)، ما دفع السكان إلى اعتماد وسائل بدائية لأغراض الإنارة وطهي الطعام، إذ تقوم الكثير من العائلات المحاصرة في استخدام الأحذية والمخلفات لإشعال النار وطهي الطعام.

كما أدى الحصار إلى فقدان سلع غذائية من الأسواق، فمعظم الأمهات أصبحن يعتمدن على الخبز المبلول بالماء لإطعام أطفالهن بعد أن انقطع حليب الأطفال تماماً، وبحسب مُهاب، أحد أبناء دير الزور، فإن “الأسعار التي يفرضها التجار المرتبطين بالنظام احتكارية ويعجز السكان المحاصرون عن شرائها، مما يدفع أسر عديدة أحياناً لتقاسم ثمن الأغذية فيما بينها. فعلى سبيل المثال يتجاوز سعر كيلوغرام السكر 1000 ليرة (3.4 دولارا)، وعلبة السردين تصل إلى 600 ليرة (حوالي دولارين)، وكرتونة البيض 1700 ليرة (5.8 دولارا)، وبالحد الأدنى فإن حاجة الأسرة المعيشية لا تقل عن ألف دولار شهرياً”.

بين تنظيم “داعش” الذي يهدر دم من يبقى في مناطق النظام، وبين النظام الذي يمنع الأهالي من المغادرة، لم يبقَ لأهالي دير الزور سوى تحمّل الإبتزاز، فالمغادرة إلى تركيا ممكنة لمن يملك مالاً عبر شبكات تهريب البشر التي باتت نشطة خلال الفترة الماضية، ولكن ذلك يتم مقابل مبلغ لا يقل عن 125 ألف ليرة (426.6 دولاراً) للشخص الواحد.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى