د. عارف دليلة: النظام السوري قاتل لكل أشكال الحياة
دمشق ـ شادي جابر
* لم يحدث في التاريخ أن كان هناك بديل جاهز في أي عملية تغيير
* لا مشكلة في البديل عن النظام والشعب سيقرر شكل النظام الجديد
* الزمن ليس في صالح النظام ولا الوطن في حال استمرار الوضع القائم
* احتمال التدخل الخارجي وارد.. خاصة إذا لم تعالج الأزمة بشكل سياسي
* الإعلام السوري بعيد جداً عن نقل الحقيقة بصورة موضوعية
* مخاطر من الانجرار لأشكال من الصراع لا يمكن التنبؤ بها إذا طالت عملية الانتقال
* الشكل القائم للسلطة في سورية لم يعد قابلاً للحياة
لن أكتب مقدمة لهذا الحوار، وسأكتفي بعرض نبذة مختصرة للدكتور عارف دليلة. هو مفكر وأكاديمي يعتبر من أبرز المطالبين بإطلاق الحريات والديمقراطية والإصلاح ومكافحة الفساد. كان من أبرز نشطاء لجان إحياء المجتمع المدني التي ظهرت في العام 2000. حصل على بكالوريوس في التجارة والاقتصاد من جامعة دمشق، ودكتوراه في الاقتصاد من موسكو.
عمل مدرساً في جامعة حلب من عام 1972 حتى 1981 ثم مستشاراً اقتصادياً في الكويت بين العامين 1981-1986، كما عمل أستاذاً للاقتصاد في جامعة دمشق منذ عام 1986، وعميداً لكلية الاقتصاد فيها قبل أن يصرف من الخدمة عام 1998 بعد محاضرة ألقاها في مقر اتحاد الكتاب العرب بدمشق. اعتقل في العام 2001 بعد محاضرة ألقاها في منتدى جمال الأتاسي بدمشق تحت عنوان “الاقتصاد السوري: مشكلات وحلول”.. وحكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات. خرج من السجن بعد حملة شاركت فيها 26 منظمة حقوقية سورية وعربية ودولية في يوليو 2008 للإفراج عن عارف دليلة بسبب تردّي وضعه الصحي، ليعود بعد ذلك إلى التعبير عن المواقف والأفكار والرؤى التي يؤمن بها ويتبناها، مصرّاً على قول كلمة الحق مهما كان الثمن.
الراية التقت المفكر الدكتور عارف دليلة وكان الحوار التالي:
* هل ترى مخرجاً آمناً وسلمياً من الأزمة الوطنية الكبرى التي تعيشها سورية؟
– يجب أن يكون المخرج آمناً وسلمياً، وقد طالبنا بذلك منذ وقت طويل، بحيث يكون الصراع سياسياً ومعترفاً به وعلنياً وسلمياً وجزءاً من حياتنا الطبيعية، فبقدر ما يحتوي المجتمع على اتجاهات ومصالح وطبقات مختلفة بقدر ما يكون لدينا تعبيرات مختلفة وتعددية حقيقية ومفيدة. لكن السؤال الأساسي، هو هل يقبل النظام السياسي هذه التعبيرات.. هل يسمح لها بالتعامل الحر فيما بينها مع الشعب مع الجماهير؟!. يجب ألا نبحث عن أي مخرج آخر غير آمن وسلمي، ولكن ما الذي يضمن أن يكون المخرج آمناً وسلمياً؟.
أعتقد أن الشرط الأول لذلك هو الالتزام من مختلف الأطراف، سلطة ومعارضة ومتظاهرين وعلى رأسهم من يطالب بإسقاط النظام، بنبذ العنف والقوة، والامتناع عن استعمال السلاح تحت أي ظرف أو مبرر. أقول ذلك مع قناعتي بضرورة التمييز بين الفعل ورد الفعل، فالبادئ بالعنف هو المسؤول الرئيسي عن تداعيات استعمال العنف، وربما يكون عنده مخطط سري أو علني لتحويل النضال السياسي السلمي إلى تمرد مسلح وإشغال المجتمع عن القضايا السياسية الجوهرية بمظاهر ومفردات ونتائج جانبية وثانوية لا تنتمي إلى جوهر هذه القضايا المختلف عليها، والتي يمكن تحديدها أولاً في طبيعة حكم السلطة السياسية وكيفية ممارسة إدارة الدولة ورعاية شؤون ومصالح المجتمع، ذلك لأن الدولة ليست مزرعة وإنما هي كيان يعبر عن وحدة الأرض والشعب ويتضمن التاريخ والجغرافيا والمصالح الاقتصادية ونسج علاقات مع الخارج بما يخدم تطور البلاد وتقدمها الاقتصادي والاجتماعي وقضايا التنمية.. وغيرها.
نظام خارج الزمن
* كيف وأين يمكن أن يبدأ التغيير برأيك؟
– بشكل عام يمكن القول إن هناك التزاماً على الجميع، ولكن التزام السلطة أكبر باعتبارها القوة المنظمة الرئيسية الوحيدة تقريباً نتيجة غياب العمل السياسي المنظم والمجتمع السياسي المدني الذي يمكن أن يكون فاعلاً ويشكل حاملاً حقيقياً في أي عملية تغيير. لكن لا نستطيع أن نغفل أن الشارع أصبح تدريجياً يعمل بشكل شبه منظم وتحت مطلب رئيسي هو إسقاط النظام، والذي يعبّر عنه المعارضون المثقفون بمطلب التغيير الوطني الديمقراطي، أي بالانتقال من الشكل القائم للسلطة السياسية الذي لم يعد قابلاً للحياة، ولم يكن منذ ولادته قابلاً للحياة. الآن وبعد أربعة عقود صار خارج الزمن.. هو نظام ميت وقاتل لكل أشكال الحياة. هذا التوصيف يشمل مع الأسف النظام في سورية وكل الأنظمة العربية، ولكن هذه الأنظمة تتمايز عن بعضها من حيث درجة الوعي بضرورة تقبل مطالب الشعوب ووضع آليات ووسائل مناسبة لتحقيقها كما تفعل بعض الأنظمة، بينما هناك أنظمة تكابر وترفض التجاوب مع المطالب الشعبية، وهذه تكلّف البلاد ثمناً أغلى بكثير من غيرها.
* ثمة مخاوف من أن يؤدي إسقاط النظام إلى فوضى واضطرابات وربما حرب أهلية بسبب صعوبة حصول انتقال سلمي وسلس للسلطة وغياب البديل الجاهز والقادر على حكم البلاد في مرحلة ما بعد سقوط النظام.. هل ترى ما يبرر هذه المخاوف؟
– باعتقادي لم يحدث في التاريخ أن كان هناك بديل جاهز في أي عملية تغيير سياسي واجتماعي، حتى عندما كانت تحصل انقلابات عسكرية أو عندما كان ينتصر حزب أو تيار سياسي ما في انتخابات، كانت الدول والمجتمعات تعاني من صعوبات كثيرة وكبيرة قبل أن تستقر السلطة لفترة معينة. وفي سورية، نحن نعلم من تجربتنا في ظل الانقلابات العسكرية، عملياً كانت تحصل إشكالات متكررة وأحياناً عنيفة داخل القوى التي تستولي على السلطة.
من هنا أعتقد أن البديل هو الحاضن الأكبر أي الشعب، وهو من يجب أن يقرر شكل النظام السياسي ومن يدير السلطة في سورية، وهذا القرار لا يمتلك صفة الثبات وإنما صفة التغير وهو مستمر وتراكمي، لا سيما وأن أنظمتنا الاستبدادية جفّفت على مدى عقود الحياة السياسية في بلداننا، كانت وظيفتها الرئيسية قمع ومحق كل احتمال لظهور أي بديل لها، سواءً على شكل تنظيم حزبي أو مجتمعي أو على شكل أفراد، ولذلك تستطيع أن تتفاخر اليوم هي والناطقون باسمها بعدم وجود البديل، وتقول إن المعارضين لا يمتلكون القدرة والكفاءة وأنهم غير مؤهلين لإدارة شؤون الدولة والمجتمع..
أنا أعتقد أن هذا الطرح يمثل محاولة للتهرب والتعمية على ضرورات الانتقال السلمي الديمقراطي، ومحاولة احتكار السلطة إلى الأبد، وهذا لم يعد ممكناً. أنا لا أجد أن ثمة مشكلة في البديل لأن السلطة حتى دون أيّ ضغط من الشارع تغير من وقت إلى آخر مسؤوليها في مختلف المواقع.
ليست منحة أو منّة من السلطة أن تعترف بضرورة التخلي عن الاحتكار الذي مارسته طوال عقود على المجتمع والدولة والاقتصاد والثقافة والإعلام… وأن تفتح المجال لظهور مختلف التعبيرات عن الواقع الاجتماعي حتى تنضج البدائل سواء كانت على شكل تنظيمات سياسية واجتماعية ومنظمات مجتمع أهلي ومدني أو على شكل أفراد، حتى يمكن تأمين عملية الانتقال بشكل آمن وسلمي.
قنابل دخانية
* لنفرض أن السلطة ترجمت القرارات الإصلاحية التي أعلنت عنها عملياً وأوفت بوعودها وأخرجتها إلى حيز التنفيذ، ألا يعد ذلك مخرجاً مقبولاً بالنسبة لكم؟
– إذا أخذنا هذه القرارات كعناوين فيمكن أن نقول إنها ذات دلالة على القبول بالتغيير، لكن الفرق بين ما يعلن وما ينفذ على الأرض شاسع جداً، إذ يستطيع كل إنسان أن يقول قنابل الدخانية من أجل التعمية على الإصرار على عدم التغيير، على رفض التغيير وعلى التشبث بالمواقع الحالية السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية… وغيرها.
عملياً لم يحدث شيء حتى الآن رغم مرور أربعة أشهر على التظاهر ورغم مرور أربعة عقود على مطالباتنا المستمرة بضرورة إقامة النظام الديمقراطي والتخلي عن النظام الديكتاتوري. الآن يتحدثون عن قوانين للأحزاب والانتخابات والإعلام.. شكّلت لجان من قبل السلطة دون إشراك أحد لوضع مشاريع لهذه القوانين، الآن يقولون إن إصدار هذه القوانين وتعديل الدستور أو وضع دستور جديد يحتاج إلى شهور طويلة، وربما إلى أكثر من سنة.. أنا أقول إن السلطة يجب أن تعي وتدرك جيداً أن الزمن ليس في صالحها بل وليس في صالح الوطن في حال استمرار الوضع القائم.
الآن بعد عقود طويلة من النضال يجب الانتقال فوراً إلى إقامة شروط تسمح بنمو ونضج البديل، مثلاً الإعلان الفوري عن العودة إلى قوانين سابقة مثل دستور العام 1950، أو ربما دستور ما معدل يسمى بدستور مؤقت لإدارة عملية الانتقال.. يمكن العودة مثلاً إلى قوانين الأحزاب والانتخابات والإعلام السابقة.. لدينا تراث سابق، فلماذا لا نعود ونبني على هذا التراث؟! يوجد قانون الجمعيات العثماني الصادر عام 1902، والذي يسمح بتأسيس الأحزاب والجمعيات بموجب العلم والخبر فقط.. وهذا لا يزال سارياً في لبنان حتى الآن.. ربما يحتاج إلى تعديل بسيط وقد لا يحتاج إلى تعديل. عندما يسمح للمجتمع بالعمل السياسي الحر العلني وفقاً للقانون، فهذا يمكن أن يُشَذب الكثير من ظواهر التطرف من كل الأطراف في السلطة والشارع..
مثلاً، عندما رفعت حالة الطوارئ وصدر قانون التظاهر أصبحت الأوضاع أسوأ من سابق عهدها.. إذاً هناك مشكلة في عملية التنفيذ أو التطبيق، من يدير هذه العملية؟!.. هذه لا تزال حتى الآن إشكالية كبيرة لدينا، إذاً ليست المشكلة هي في الإعلان عن إصدار قوانين أو إصدارها أو الإعلان عن إمكانية تغيير الدستور.. كل ذلك يبقى مجرد حبر على ورق وكلام في الهواء ما لم يترجم عملياً، لأن الشعب وبالأخص القوى المعارضة المطالبة بالتغيير لا تمتلك أيّ سلطة للمشاركة في وضع هذه القوانين والإشراف على تنفيذها.
الآن من يضمن أن تجري انتخابات وفقاً للقانون حتى لو صدر أفضل قانون للانتخابات؟.. من يضمن أن يكون لدينا إعلام حرّ حتى لو صدر أفضل قانون للإعلام من حيث النص؟.. يقولون إن القانون الجديد لا يتضمن كلمة سجن لأي صحفي.. ولكن من الذي يعطي التراخيص؟! السلطة تمنع معظم الصحف ووسائل الإعلام من الدخول إلى سورية وتغطية ما يجري فيها.. إذا كانت هناك فضائيات تتهم بأشنع الاتهامات فإن إعلامنا وفضائياتنا هي متطرفة من الاتجاه الآخر.. إعلامنا بعيد جداً عن نقل الحقيقة بصورة موضوعية.
لذلك، ومن أجل تمكين المواطن من الوصول إلى إعلام حرّ والمشاركة في عملية التغيير لا بد في البداية من إطلاق الحريات. ثانياً: لا بد من توفير مناخ من الثقة للمواطن وضمانات تسمح بممارسة النشاط السياسي والعمل في الشأن العام دون أيّ تضييق طالما أن الناشط في هذا الشأن لا يستخدم العنف وملتزم بقواعد العمل السياسي السلمي والعلني.
مصلحة الوطن
* السلطة شكّلت هيئة للحوار الوطني ووجهت لكم دعوات لتشاركوا في اللقاء التشاوري الذي عقد مؤخراً.. لماذا لم تذهبوا وتشاركوا في هذا اللقاء؟
– ما زالت الثقة ضعيفة جداً في جدوى أيّ حوار طالما لا يوجد اعتراف حقيقي وضمانة حقيقية لكل معارض سواء أكان حزباً أم فرداً أم هيئة بأنه سيكون محمياً ليس كلامياً إنما فعلياً، مثلاً عندما كان اللقاء التشاوري منعقداً ونحن نشاهده على شاشات التلفزيون ونسمع الكلمات، كان الكاتب نبيل سليمان في اللاذقية المقيم في قريته محاصراً، وكانت مجموعة من الشباب تحاول تحطيم سيارته، ويريدون الوصول إليه داخل منزله من أجل الاعتداء عليه.
حصل ذلك أيضاً مع الدكتور منذر خدام بعد عودته من دمشق حيث شارك في اجتماع (سميراميس) حيث أحاط عشرات الشباب بمنزله في اللاذقية وكالوا الاتهامات له علماً بأن هناك أجهزة أمن متواجدة في نفس المنطقة التي تحيط بمنزله، فلماذا تدّعي هذه الأجهزة أنها ليست هي من يقوم بهذه الأعمال إنما هو الشعب؟! أي شعب هذا؟!.
الذين يتحدثون عن فكرة الحوار لا أتّهمهم بسوء النية.. دعنا نقول إنهم لديهم نوايا حسنة، ولكن من الواضح أن قرار حماية الأصوات المعارضة ليس بيدهم. وردت عبارة في البيان الختامي أن المعارضة السورية جزء من النسيج الوطني، وفي نفس وقت صدور هذا البيان، كان هناك أشخاص يتعرضون لحصار واعتداء.. لماذا؟! هل يستطيع أحد أن يتهمهم بالخيانة أو أنهم يعملون ضد مصلحة الوطن علماً أنهم أثبتوا حرصاً كبيراً على الوطن ووقفوا ضد كل من يضر مصلحة الوطن؟!. لماذا يسمح الآن للذين عملوا على مدى عقود ضد مصلحة الوطن على حصارهم وتهديدهم أمام سمع وبصر الأجهزة الأمنية، ولا يوجد من يدافع عنهم ويحميهم ويؤمن لهم ضمانات للعيش كمواطنين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات مثل أي رجل في السلطة مثلا؟!.
* هناك مخاطر من أن تذهب البلاد إلى الهاوية في ظل غياب الحل السياسي للأزمة.. لماذا لا تتحملون أنتم كنخب سياسية وكمعارضين مسؤولياتكم أمام الوطن وتعملوا على إيجاد مخرج آمن للأزمة من خلال الحوار مع السلطة؟
– لا أظن أن أحداً في المعارضة قرّر الانزواء في ركن أو كهف بعيداً عن المساهمة في عملية التغيير أو عن المجتمع ومجريات الشارع اليومية.. الجميع مشاركون ومنخرطون حتى الحد الأقصى، بل بالعكس كلما زادت المخاطر كلما زاد انخراطهم وقبلوا تحمل المسؤولية ودفع الثمن، وهناك الكثير من المعارضين لا يزال في السجون ممّن لم يرتكبوا أي جرم غير إبداء الرأي، وذلك رغم الادعاء برفع حالة الطوارئ، ورغم إقرار البيان الختامي للقاء التشاوري بأن المعارضة جزء من النسيج الوطني!. أنا لا أدري حقاً ما هي المكاسب التي تجنيها السلطة عندما تقول شيئاً وتفعل العكس. من الواضح أن الخلل لدى السلطة نفسها وليس لدى المعارضة.
* ثمة من يقول إن السقوط الحر للنظام سيؤدي إلى حالة فراغ سياسي وأمني ما يشكّل مخاطر كبيرة على سورية وطناً وشعباً.. إذا تحدثنا بمنطق السياسة التي تعني فنّ الممكن والتعامل مع معطيات الواقع وموازين القوى، أليس الحوار مع السلطة مع استمرار الضغط عليها بكل الوسائل السياسية والسلمية الممكنة هو الخيار الأمثل؟
– المعارضة تؤمن بهذا الخيار وتعمل من أجل التغيير الديمقراطي السلمي والآمن، ولكننا لا نرى إمكانية مفاجئة وسريعة على الأرض لتحقيق ذلك.. عملية التغيير حتمية بلا أدنى شك، فما كان قائماً أصبح ميتاً وصار من الماضي.. وأعتقد أن كل ما يحصل حالياً نظرياً وعملياً سيؤدي إلى ولادة مخلوق جديد، وهو الطبع لن يولد كاملاً.. يحتاج إلى مشاركة واسعة جداً بتأثير من مختلف الأطراف.
طبعاً هناك مخاطر، خاصة إذا استمرت الأزمة وطالت عملية الانتقال لفترة طويلة، هناك مخاطر من الانجرار إلى ظهور أشكال من الصراع لا يمكن التنبؤ بها.. والأيام الأخيرة تعطينا مؤشرات سلبية لما يمكن أن يحصل من احتمالات يجب العمل الواعي على تجنبها.. وهذا لا يمكن أن يتحقق بالأسلوب الأمني، بل السياسي. الحل يمكن أن يبدأ من خلال إطلاق الحريات السياسية وإعطاء الفرصة لكل الطاقات لممارسة النشاط السياسي العملي المعترف به المضمون العلني والسلمي.. لكن مع الأسف هذا الواقع غير متوفر حتى الآن على الأقل، وهو ما يدفع البلاد إلى المجهول.. والسلطة تتحمل مسؤولية رئيسية في ذلك.
القرار للشعب
* بالنسبة للمؤتمرات التي عقدتها تيارات المعارضة السورية في الداخل والخارج.. كيف تقيّم هذا الحراك السياسي وإلى أيّ مدى يمكن أن يسهم في إيجاد مخرج سياسي من الأزمة؟
– أولاً: عملية القطع التي دامت عقوداً طويلة من الزمن أجبرت الكثير من السوريين على الهجرة القسرية أو السفر إلى الخارج من أجل تأمين فرص العيش والحياة التي افتقدوها في الداخل. لا نستطيع إطلاق اتهامات مسبقة على السوريين الموجودين في الخارج، فقط لأنهم موجودون في الخارج. ذلك لأن الذي أجبرهم على الخروج هو الأوضاع الداخلية غير الطبيعية في سورية طوال عقود من الزمن.
أما تصنيف المعارضات الموجودة في الخارج والمؤتمرات التي عقدتها، فيجب برأيي أن يترك للشعب السوري.
في العراق مثلاً كان هناك معارضون موجودون في الخارج، وعندما عادوا لاحقاً، استطاع الشعب العراقي أن يضع كلاً منهم في المكان المناسب، وذلك على الرغم أن العملية السياسية في العراق كانت مشوهة تماماً بسبب التدخل العسكري والافتقار طوال عقود طويلة للعمل السياسي السليم والصحيح، وهذا ما أدى إلى ظهور الطائفية والعشائرية وغيرها من الأشكال ما قبل السياسية.
في سورية، يمكن الحكم في كثير من الحالات على صوابية أو خطأ بعض المواقف والممارسات والسلوكيات لهذه المؤتمرات.. ولكن بدلاً من ذلك يجب أن نترك الأمر للشعب السوري، وأعتقد أن الرأي العام لن يخطئ في وضع كل شخص في المكان المناسب.
* كيف تنظر إلى فكرة التدخل الخارجي، والعسكري خصوصاً، لا سيما وأن استمرار الأزمة وتصاعدها قد يؤدي إلى سيناريو كهذا؟
– لا يمكن أن ننفي مطلقاً احتمال أو سيناريو التدخل الخارجي، وخاصة إذا لم تعالج الأزمة بشكل سياسي، كما نطالب منذ زمن طويل. ولكن أعتقد أن المعارضين السوريين يرفضون بغالبيتهم الساحقة فكرة التدخل الخارجي، وإذا كان بينهم من يطالب بهذا التدخل ويعتبر أن الأمور وصلت إلى درجة تبرر مطلبهم بالتدخل، فنحن نرفض ونحذّر من ترك الأوضاع تتهاوى وتعطي هذه الأصوات أو المطالبات قدراً من المشروعية.. من هنا أعتقد أن السلطة في طريقة إدارتها ومعالجتها للأزمة الحالية تتحمل مسؤولية رئيسية في قطع الطريق أمام المطالبين بهذا الخيار، بطبيعة الحال، التدخل الخارجي لا يحقق أي مصلحة وطنية بما في ذلك مصالح المعارضة ومطالبها بالتغيير.
الراية القطرية