صفحات سوريةفاطمة ياسين

ذبح الرقة مجدّدا/ فاطمة ياسين

 

 

 

لم تنته معركة الموصل، فما زال تنظيم داعش يتحصن في جزء مهم من المدينة، لكن القوات التي تهاجمه مصممةٌ على اقتلاعه من كامل التربة الموصلية، هكذا يصرّح قادة الجيش العراقي المهاجم وزعماء المليشيا المتحالفة معه.

لم تنته المعركة بعد، ولا يُعرف متى ستكون نهايتها، والتنظيم الذي يحتلها يعرف أن عليه أن يتشبث بالأرض حتى الموت، عملية اعتصار المدينة الشمالية بين دفتين صلدتين، هما داعش والقوات المهاجمة، يضيف إلى عداد المهاجرين والمشرّدين رقما كبيراً صار مشتتاً في الجوار الكردي، أو هائماً في الصحراء على طول مجرى النهر، وتحت رحمة كل شيء، فليس ثمّة إمكانية للعودة إلى المدينة المحرّرة التي أصبحت قاعاً صفصفاً بحاجة إلى تأهيل قد يستلزم عقوداً، سيُجبَر المشردون على انتظار انقضائها.

يبدو أن النسخة الأخرى من الحرب الضارية المنتجة لللاجئين ستكون مدينة الرقة بسيناريو متطابق، وبخرّافية مماثلة وبقوات متحاربة شبه واحدة. وقد أعلن ناطق بلسان قوات سوريا الديمقراطية إن المعركة بدأت. مع إعلانٍ من هذا النوع، على جمعيات حقوق الإنسان والإغاثة أن تستنفر وتهيئ كل إمكاناتها، فالإحصاءات تقول إن في الرقة حوالي ثلاثمائة ألف نسمة على قيد الحياة.

يقول الجيش العراقي إنه أحكم السيطرة على الحدود السورية العراقية، وعلى الجانب الآخر تقاتل قوات مختلطة من النظام ومليشيات متنوعة محاولةً السيطرة على معبر التنف، الشكل العسكري لهذا التموضع يقول إن الجانبين، السوري والعراقي، يرغبان يإحكام الطوْق على عناصر تنيظم الدولة الإسلامية. وفي الميدان المنتظر للمعركة الأخيرة، تتحكم قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة في الجانبين، الشرقي والشمالي، للمدينة، وسيطرت أخيراً على سد البعث والقرى المجاورة له، وهي تستمر بالتقدم بإيقاع بطيء ولكن مضطرد، ما يعني أن تنظيم الدولة الإسلامية سيجبر على القتال في الشوارع ووسط المدنيين، وظهره إلى الحائط، وهي الوضعية نفسها التي واجهها التنظيم في الموصل، حين كان وسط آلاف المدنيين الذين تحولوا إلى ضحايا جثثاً هامدة أو مشرّدين في الصحراء.

تمتلك القوات المهاجمة الرغبة والإصرار والإرادة لدخول مدينة الرقة، وتملك الدعم الكافي من أكبر دولة في العالم، وغطاء جوياً كثيفاً وغطاء إعلامياً أيضاً، وتمتلك ما ترغب به من الوقت لإنجاز مهمتها. ولكن ليس لديها خطة للتعامل مع مدنيين كثيرين محاصرين في الداخل، ولا تبدي هذه القوات، مع داعميها، اهتماماً كبيراً بهم، فالهجوم الجوي الذي بدأ مبكراً حصد عددا كبيرا من الضحايا المدنيين الذين وثقت المنظمات الإنسانية أسماءهم الكاملة، أما الأحياء داخل المدينة فمعاناتهم مستمرة، منذ احتل التنظيم المدينة، وهم على مشارف دخول طوْرٍ جديد وقاسٍ، فالحملة لن تنتهي، قبل أن تأتي على كل شيء.

تحمل المعركة المنتظرة في الرقة مجموعةً من التعقيدات السياسية، يخصّ الجانب الأكبر منها طبيعة القوات المهاجمة المكونة أساساً من عناصر كردية، ستقاتل تحت لواء قوات سورية الديمقراطية، وستتحرّك وفق رافعة أميركية واضحة، والتهديد الذي يحسّ به الجانب التركي، وقد أعلن، بوضوح، موقفه المناوئ لهذه التشكيلة العسكرية، فضلاً عن برامج التقسيم التي يعمل بموجبها هذا الفصيل، وإن كان لا يفصح عنها. هذه التعقيدات فائض سياسي عن الحمولة الإنسانية الكبيرة التي سنتشأ مع بدء المعارك، فتنظيم الدولة الإسلامية، وإنْ كان يعلن أنه دولة، يتعامل مع “رعاياه” باعتبارهم مختطفين، وهو يتوقع عوائد من استمرار احتجازهم. أما الجانب الآخر المتعطش للأرض، فهو يستميت للحصول على أكبر مساحة منها، وإن كانت خاليةً من سكانها، فهي نقطة إضافية. لذلك، من المتوقع أن تنتهي المعارك، وينفرج الدخان عن بقعة محروقة من الأرض، وأكداس جديدة من فاقدي الاتجاه والذاكرة والحاضر والمستقبل الذين تعرِّفهم الأمم المتحدة لاجئين.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى