صفحات الثقافة

رافال ميلاش: الرفاق الشيوعيون المتنافسون/ جوزيف الحاج

 

 

“أفضل أم”، “أفضل عامل”، “أفضل تعاونية زراعية”… موروث بروباغندا، كانت في زمن مضى تروّج لمثل هذه المباريات التي ترتقي بالمواطنين والعمّال إلى مصاف القدوة. منها إستوحى المصوِّر البولوني رافال ميلاش ) Rafal Milach 1978) عمله “الفائزون”، الساخر من لجان التحكيم ومن هذا التنافس.

في ساحات المدن الأوكرانية أو الروسية، لا تزال ترتفع لوحات إعلانية معدنية، تآكلها الصدأ، تحمل بورتريهات باهتة فقدت رونقها، تعود لـ”أبطال” ذلك الزمان الذين يحملون أسماء مثل “ميخائيل” أو “ليودميلا” يرتدون بذلاتهم المهنية.  لم تتبدّل هذه الصور منذ عقود. الزمن توقّف، ولم تعد هذه الأسماء تمثّل أفضل العاملين في مدنهم الصغيرة وأريافهم الفقيرة، بل تقاعدوا وتعرفوا على ليبرالية ما بعد السوفيات.

في روسيا البيضاء لا تزال تنتشر في الشوارع والمدارس والمصانع والمؤسسات لوحات إعلانية ضخمة، متوهجة، تتبدّل صورها باستمرار، لفتت نظر ميلاش، فاستوحى منها عمله “فائزون”. زار عشرات المرّات روسيا البيضاء، عابراً الجهة الخلفية من اللوحات، مصوراً المتنافسين في كافة مجالات العمل، والتي لا تزال تُنظم في مينسك ومدن أخرى.  هناك جوائز لـ”أفضل عامل تلحيم”، “أفضل أم لأكبر عائلة”، “أفضل ممرضة في المستشفى رقم 6 في منسك”، “أفضل صيّاد”، “أسرع عاملة فندق في تبديل الأغطية”، “أفضل تعاونية زراعية في إنتاج البطاطا”، وجائزة “أفضل إدارة عقائدية” التي تُمنح للمؤسسات.

كل تلك اللوحات جعلت ميلاش يشعر وكأن زمن السوفيات قد عاد. “أكثر من أي مكان آخر، تستمر روسيا البيضاء في المضي بهذا الموروث من زمن الشيوعية، تصاوير وتقاليد. تجنّبت سرد قصص فرديّة، حرصت على تجميعها، كما في هواية جمع الأشياء، لتفكيك وتحليل آلية البروباغندا التي  تعتقد أن الإبقاء على “لوحات الشرف” طمأنة للناس من هاجس الإنهيار،” يوضح ميلاش.

بورتريهات – مرآة لبروباغندا نظام، وتشريح بارد لأنشطة تخلو من أي تعاطف.  إختارت شخصياته أماكن التصوير بنفسها.  إلتقط الواقع اليومي للحياة في الجمهوريات السوفياتية السابقة. أسلوبه في السرد بضمير الشاهد بسيط يخلو من التشابك والتأويل المستتر.  جمالية باردة، محايدة واستخدام للإضاءة القوية حوّلته إلى غريب عن العالم الذي صوّره.  عبء جيل وُلد في هذا المكان وورثه. زوايا كئيبة قادته إلى ما بعد الصورة النمطية للفقر، تشير إلى التمزق بين تقاليد الماضي وإستهلاكية الحاضر. “إنها أشبه بكوكب بدائي” قال عن تلك الأمكنة التي يصورها منذ أكثر من 10 سنوات. في “الفائزون” لم يتعرف على حياة الفرد، بل على الوجود الجمعي في ظل نظام أشمل، حيث الفرد جزء من نظام وليس كائناً بشرياً.

“موضوعاتي هي التي تعثر عليّ.  تشغلني البروباغندا وآلياتها. أستكشف كيفية عمل الأشياء ومن ثم تفكيكها، سواء كانت أماكن أم صوراً نمطية، أم مواضيع إتصالية، والتلاعب بها” قال.

منذ بدأ نشر أعماله في كتب، إكتسب النص أهمية أكبر.  “بإمكان النص إضافة المعلومات والإحالة إلى القرائن والسياقات، إنه يضيف بعض المدى إلى الصور. التفاعل بينه وبين الصور فضفاض. النص في “الفائزون” هو عن الإرتباك”.

من أعماله الأخرى: “7 غرف”-2011، صورة لروسيا بوتين، من دون مؤثرات تافهة، حتى في بورتريهات أولئك النسوة اللواتي شاركن في الحرب العالمية الثانية؛  “بالسيارة مع ر.”-2013، عن رحلة عبر أيسلندا برفقة الكاتب هولدار بريفيورد: “السفر برفقة مصور مثل التسوق برفقة صديقة تجرّب كل ما تشاهده من ملابس. يتحرك المصور ببطء، يلاحظ بوثائقية وبمقاربات فوتوغرافية أقرب إلى الغموض”؛  “بحر أسود من الإسمنت”-2013.  أسس في 2006 “جماعة سبوتنيك” لتوثيق التحولات في دول المنظومة السوفياتية سابقاً.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى