رسائل جائزة أوسكار 2017 السياسية
رأي القدس
قدّمت حفلة جوائز «الأوسكار» الأمريكية لهذا العام مجموعة من الرسائل السياسية القويّة، وقد انعكس ذلك في الأفلام التي حصلت على الجوائز وفي المواضيع التي تطرّقت لها والممثلين الذين مثلوا فيها والهجوم الساخر الشديد الذي تعرّض للعنصرية والتطرّف وسياسات كره المهاجرين والأديان والعروق.
نال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حصّة الأسد من النكات والسخرية لسياساته، ومن ذلك إشارة مقدّم الحفل إلى متابعته من 225 بلداً «باتوا يكرهوننا»، فيما قال رئيس الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون الصور المتحركة إن الحفل «دليل على أن لا حدود تحد الفن».
إحدى الرسائل التي وجّهها الحفل أيضاً كانت فوز ماهيرشالا علي، أول مسلم أمريكي (إضافة إلى أنه أسود)، بجائزة أفضل ممثل مساعد عن فيلم «مونلايت» الذي فاز بجائزة أحسن فيلم. ماهيرشالا أشار إلى تعرّضه للتمييز لكونه مسلماً وأن أحد موظفي المطارات أخبره أنه موجود في قائمة الـ«إف بي آي» للأشخاص المراقبين وأن زوجته توقفت عن لبس الحجاب في نيويورك «لأنها لم تعد تشعر بالأمان».
من الإشارات السياسية العديدة المهمّة أيضاً كانت فوز فيلم «الخوذ البيضاء» الوثائقي الذي يتحدث عن عناصر الدفاع المدني في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وقدّم الحفل كلمة مصورة لرئيس «الخوذ البيضاء» رائد صالح طالبَ فيها العالم بوقف إراقة الدماء في سوريا، كما فاز الفيلم الإيراني «البائع» بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي وقاطع مخرجه الحفل احتجاجا على قرارات ترامب.
الرسالة الكبرى التي قدّمها الحفل، والتي قدّمت بأكثر من صورة وطريقة، وعلى أكثر من لسان، هي رسالة مزدوجة ترفض سياسات ترامب لبناء الأسوار ومنع المهاجرين وتأجيج التطرّف والعنصرية وتتضامن مع المهاجرين واللاجئين والمسلمين والسود والأقليات والتنوّع البشري عموماً.
تبدو مواقف النخبة السينمائية الأمريكية التي أعلنت في حفل الأوسكار كجزء من تحرّك سياسيّ عامّ يشمل الإعلام والسياسة والقضاء والأكاديميا والشارع وهو يوضّح مفارقة كبرى تطال صورة أمريكا وجاذبيتها في العالم، فأمريكا المكروهة في البلدان التي تتحكّم بمقدّراتها الاقتصادية والسياسية أو التي خاضت حروبا ضدّ شعوبها هي البلد نفسه الذي تقصده نخب وأفراد هذه الشعوب التي تكرهها مدفوعة برغبات الحصول على الغنى والنفوذ والارتقاء، كما بالتعلّم من تاريخ ذلك البلد ومؤسساته وجامعاته أسباب قوّة هذا النظام السياسي الهائلة التي فتحت الأبواب للاختراعات والاكتشافات والعلوم ففاضت الثروات وانعكست تأثيراً هائلا على مصائر جميع أمم الأرض.
المقاومة الأمريكية الكبيرة التي تواجه غطرسة ترامب وإدارته وقراراته وتضامن مؤسسات الديمقراطية والقضاء والإعلام والجمهور مع المهاجرين الذين انبنى مجد أمريكا على مساهمتهم يفسّران ازدواجية الكره والانجذاب العالميين للنموذج الأمريكي الذي قدّم إنجازات سياسية وعلمية وفكرية وفنية هائلة ولكنّ إداراته السياسية وظّفت هذه الإنجازات، في أغلب الأحيان، لإخضاع الشعوب وتمرير أجنداتها الاقتصادية والسياسية. وكما شاهدنا أمريكا تنتخب رئيساً أسود أبوه مسلم كينيّ، وشاهدنا على مرّ العقود أفلاماً تدافع عن الإنسان وتهاجم العنصرية، وقرأنا روايات مؤثرة وشعرا عظيما ودهشنا بالابتكارات العلمية، فقد شاهدنا الجيوش الأمريكية في فيتنام وأفغانستان والعراق، وقاسينا من دعم أمريكا لإسرائيل وللطغاة العرب.
لعلّ الدرس المفيد الذي قدّمته حفلة الأوسكار هو أننا في قارب واحد مع قوى الديمقراطية والتنوع والإبداع في أمريكا وضد العنصرية والتطرّف والإرهاب في كل مكان ومن أينما جاء.