صفحات سورية

رسالة إلى السيد حسن نصر الله

معتز محمد زين
في حفل تأبين الدكتور الشهيد علي شريعتي خطب السيد موسى الصدر بالناس قائلا : ” إن المؤسسات الدينية اليوم لها أموالها ولها أوقافها ولها رجالها ولها شؤونها وبروتوكولاتها ولها خصوماتها ولقاءاتها ولها مكاسبها ، تماما مثل الاتحاد السوفييتي أو الصين بعدما تحولوا إلى دول .. ونسوا كونهم حركة انقلابية عالمية فبدأوا يفكرون بالاحتفاظ بمكاسبهم ، ولأجل الاحتفاظ بهذه المكاسب يجب التحالف حتى مع الشيطان أو مع نصف الشيطان أو مع ربع الشيطان .. إذاً حركة إنسانية ، في مرحلة من المراحل كثيرا ما تتحول إلى مؤسسة … متى ؟؟ عندما تشيخ ” انتهى كلامه
السيد حسن نصر الله .. لقد كنتَ في يوم من الأيام ملء العين والقلب والخاطر .. كان لكلماتك من الأثر في قلبي – وأعتقد في قلوب الكثيرين – كما لحبات المطر من الأثر عند سقوطها على الأرض العطشى .. لطالما حركت خطاباتك في حرب تموز سواكن الدمع في عيوني .. ولطالما خفق القلب شوقا لظهورك على الشاشة الصغيرة فتوقفت كل الجوارح عن الحركة وتوجهت نحو هذه الشاشة فاقدة لأي إحساس أو تفاعل مع محيطها .. من أجلك خضت في المجالس والمنتديات معارك و نزالات ، واتهمني من حولي بالتشيع لكثرة الإشادة بك والدفاع عنك ، مع أنني بطبعي أكره الطائفية وأعتبرها متناقضة مع النسيج الفكري والعاطفي للإنسان السوي ، ولأنني أؤمن أن الإسلام إنساني عالمي وليس مذهبيا ولا فئويا ولا عرقيا .. كنت أراك إنسانا مقاوما ومناضلا ومؤمنا ورافضا للظلم والاستكبار .. أما الآن فقد سقط القناع عن شخصك الحقيقي ، وبدأت ملامح مرجعيتك الطائفية تتكامل وتظهر بوضوح .. لقد سقط المبدأ أمام المشروع وهذه صفات المنافقين ..
فكل الناس مستعدون للحديث عن المبادئ والقيم والدفاع عنها وحمل لوائها عندما تخدم هذه القيم مصالحهم وتنسجم مع مشروعهم ، وفي هذه الحالة تصبح القيم والمبادئ وسيلة للفت الانتباه وجمع الأنصار وكسب النقاط وإشباع غريزة حب الظهور .. لكننا لا نستطيع أن نصف إنسانا أو مشروعا بأنه حامل للمبادئ والقيم إلا عندما يحصل نوع من التصادم بين مشروعه وقيمه ، فيقف مدافعا عن قيمه حتى لو اضطر لذبح مشروعه أمام عينيه .. عندما يحصل التعارض بين المصلحة والمبدأ تتساقط الأقنعة وتتشتت الجموع ويقل عدد الأنصار ولا يبقى حول المبدأ الإنساني سوى القلة القليلة من المؤمنين الصادقين الراسخين الغرباء … يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ .. فطوبى للغرباء ” .
السيد حسن نصر الله .. لقد سقطت كل المبادئ التي كنت تنادي بها أنت وحزبك على أعتاب الثورة السورية .. لقد استطاع الشباب السوري المنتفض أن يزيل الأقنعة عن مشروعكم الطائفي واحدا بعد الآخر حتى بتم عراة إلا من حقيقتكم .. إذ لطالما كان خطابكم يرتكز على مقاومة الظلم والاستعباد والاستكبار ، وضرورة الدفاع عن المظلوم لاسترداد حقوقه ، وأن الدم سينتصر على السيف ولو بعد حين … حتى إذا قام الشعب السوري يطالب بحقوقه وينفض عنه غبار الذل والظلم والاستعباد ، وقفتم مع الظالم الذي يحمي مشروعكم ضد المظلوم الذي يحمل ” مبادئكم ” .. وقفتم مع السيف المستبد ضد الدم المسفوح ظلما وعدوانا ..
سنة كاملة على الحراك الثوري في سوريا ولم تعرض قناة المنار صورة واحدة لشهيد سوري قتل على يد الأمن والشبيحة ..
سنة كاملة ولم تحرك مشاهد التعذيب الوحشي والقتل والتنكيل والاغتصاب ضمائر القائمين على القناة فيتعرضوا لها – ولو تقية – بقليل من المهنية الإعلامية أو المشاعر الإنسانية ..
سنة كاملة ولم تعرض قناة المنار تقريرا واحدا يتحدث عن مأساة عائلة سورية نازحة أو طفلة فقدت والدها أو امرأة فجعت بزوجها أو ابنها ..
سنة كاملة ولم تسمح قناة المنار لمعارض سوري واحد بالظهور على شاشتها لعرض المسألة من وجهة نظر أخرى مخالفة لوجهة نظر النظام السوري ..
وفي الوقت ذاته فإن المشهد على المنار مختلف تماما فيما يتعلق بانتفاضة البحرين مع الفارق الواضح بين حجم البلدين ووزنهما السياسي وتأثيرهما الإقليمي وعلاقتهما الجغرافية بلبنان .. فلو عثرت امرأة في البحرين بردائها على قارعة الطريق لاستنفر من أجلها كادر المنار واستدعي المحللون والمنظرون ” والمفكرون ” وقامت الدنيا ولم تقعد لنجدة هذه المرأة الطاهرة سليلة أهل الحق والفضل … فهل لذلك تفسير سوى التفسير الطائفي يا سيد حسن … وما ذنبنا نحن إذا كان قدرنا أننا من السلالة ” الخبيثة ” لبني أمية !!!!!!
السيد حسن نصر الله ..لا أريد أن أقارن بين طريقة معاملتنا لنازحيكم في حرب تموز وطريقة معاملتكم لنازحينا اليوم .. ولكنني أؤكد لك أن مجمل موقفكم من الثورة السورية سيكون قاصمة الظهر لحزب الله ، ذلك أنكم سقطتم في معركة القيم والأخلاق ، وفقدتم الحاضنة الشعبية ” السنية ” لمقاومتكم ومشروعكم ..
وعلى الرغم من أنني لا أحبذ استحضار التاريخ إلى معارك الحاضر واستعمال أحداثه لكسب نقاط على خصوم اليوم إلا أنني مضطر أن أخاطبكم بطريقتكم ووفقا للمرجعية التاريخية التي حملتموها على ظهوركم كل هذه القرون الطويلة وأنتم اليوم تستعدون لأخذ الثأر وإقامة المحاكم ونصب المشانق لكي نقتل نحن على مذبح التاريخ الحاضر في أدبياتكم .. أجدني مضطرا لأقول لكم وبكل وضوح :
نحن اليوم أحفاد الحسين عليه السلام وأنتم اليوم أحفاد يزيد ..
نحن الذين نقدم أرواحنا ودماءنا وأموالنا وأولادنا دفاعا عن القيم والمبادئ التي نؤمن بها ، وأنتم الذين بعتم كل مبادئكم من أجل الحفاظ على مكتسباتكم ومشروعكم والسلطة التي أصبحت بين أيديكم ..
نحن الذين مُنعنا اليوم من الماء والغذاء والحرية والعدالة ، وأنتم الذين تحولون بسيوفكم بيننا وبين حقوقنا هذه ..
نحن الذين وُضعنا أمام الخيار بين أن نعيش حياة الذل والمهانة تحت سطوة هذا النظام وبين الموت والتنكيل ، فكان لسان حالنا : هيهات منا الذلة .. هيهات منا الذلة ..
فمن الذي سينتصر يا سيد حسن .. الدم المسفوح من أجل حريته وكرامته أم السيف المسلط على رقاب الناس لاستعبادهم …. أجزم أنك تعرف الإجابة

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. شكرا من القلب على هذه المقالة .. وتذكر ياسيد حسن نصر الله أن الوقت ربما لم يفت بعد للعودة عن الانبطاح لسياسة بشار الأسد التي تريد أن تقهر ارداة شعب بحريته من حاكم جائر بات لايفعل شيئا سوى قتل هذا الشعب بأبشع الصور وأفظع الطرق .. حتى تقنع الشعب السوري الذي وقف بمسلميه سنة وشيعة ومسيحييه خلف مشروعك كمشروع مقاومة .. حتى تقنعنا أنك لست مثل أمريكا ذات السياسة المزدوجة عليك أن تقف بجانب الشعب السوري المظلوم المقاومة .. إلا إذا كنت تعتبر أنه ليس من حق الشعب السوري اختيار حاكمه والنضال من أجل حريته وكرامته أو أنك تعتبر الاسد مثل الله يجب أن يبقى الى الابد رغم كل مايفعله ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى