رسالة شخصية إلى باراك أوباما مع حفظ الألقاب/ مصطفى علوش
حضرة السيد باراك أوباما المحترم؛ حين أوجه رسالة مباشرة إليكم، أعرف أني أتجاوز كل الأعراف والتقاليد السياسية الخاصة بالعلاقات بين الأفراد ورؤساء الدول، وأعرف أني أتجاوز العمّ بان كي مون في الأمم المتحدة، وأدرك أن السيد بشار الجعفري القريب منكم، سيزعل مني شخصياً حين يعرف أني أخاطبكم مباشرة، وقد تزعل مني السيدة بثينة شعبان أيضاً لأنني أتقاسم معها الجنسية وتختلف عني بأنها لا تعرفني شخصياً والحمدلله، وراتبها أفضل من راتبي حين كنت في حضن الوطن والوظيفة.
أعرف أني أتجاوز أيضاً جامعة الدول العربية وحدود اللياقة العربية التي تأسست بعد النكبة وهزيمة حزيران، وقد يأخذ على خاطره مني السيد نبيل العربي.
أعرف ذلك كله، يا عم أوباما، ولكن لم يبق أمامي سوى هذا الطريق، فشعبنا السوري يكاد ينقرض، وربما أنت لا تعرف ذلك! عندنا أكثر من مليون مشوّه ومعوق بسبب النظام، وبسبب حربه علينا. وعندنا أكثر من نصف مليون شهيد، وأكثر من نصف مليون معتقل في السجون، و60 في المئة من البنية التحتية السورية المدمرة. إذا لم تصدقني، فاسأل الأمم المتحدة، حتى أن النظام دمّر بيت صديقي محمود الفقير الذي اشتغل في لبنان ليعمّر غرفة على السطح ومطبخاً صغيراً لا تتجاوز مساحته 9 أمتار مربعة. هل تعرف كم فرح محمود عندما عمّر تلك الغرفة؟! يومها، بقي حتى الصباح يستمع إلى سميرة توفيق مع زوجته ويفصفص البزر الميال.
من أجل ردم الحواجز النفسية بيننا، أخبرك بأنّني أحبّ اللون الأسود، حتى أني أحلم بالزواج من امرأة افريقية، وحين زرت تونس تعرفت إلى راقصة سوداء افريقية أذهلتني، لكن عائق اللغة بيننا جعلني لا أعبّر عن كامل مخزوني الروحي تجاهها، وأنا أيضاً أشعر أن السودان ظُلم تاريخياً كشعب، حتى منا، نحن الشعوب العربية.
عندما رأيتك قبل سنوات تتسلم دفة الرئاسة في الولايات المتحدة قلت ستُحَلّ كل قضايانا العربية على يد هذا الرجل. لكن، عندما بدأت ثورتنا السورية وسمعتُ تصريحاتك فقط، ولم أر أفعالاً لك، قلت يا حيف عليك، تتركنا وحدنا في الساحة! نعم، لا تزعل، أمانة منّي، الصراحة مطلوبة. أليست بلادكم أمّ الديموقراطية والحرية في العالم الحرّ؟
نعم، هذا ما قلته. أعرف أنك مشغول بمصالح شعبك وأنك ملتزم برنامجاً سياسياً أمامه، ولكن نحن يا عمّ أوباما تُركنا وحدنا لا جدران تسندنا، نموت ونهوي ولا ملاجئ تحمينا. كلهم يكذبون علينا.
قد لا تعرف معنى الهجرة واللجوء والنزوح. لقد صار عدد اللاجئين ملايين، والخير إلى الأمام. إذا ظلّ النظام يقصف، فلن يبقى في سوريا أحد. هل ترضى يا أوباما أن لا يبقى في سوريا أحد من الشعب؟ ربما فقط تبقى حكومة الحلقي والنظام والمخابرات!
ربما لا تعرف أنني شخصياً أقدّر صعودك الطبيعي إلى سدّة الرئاسة، وأقدّر مواهبك وذكاءك، ولكن من غير المعقول أن لا تعرف أننا نتعرض لإبادة جماعية. كيف صحوتَ على السلاح الكيميائي وصادرته من النظام وتركت له الطائرات والبراميل؟ كيف تترك له البراميل يا رجل؟ أنا شخصياً، أريد معرفة عدد البراميل الباقية عند النظام؟
قد لا تعرف يا عمّ أوباما، أننا شعب يحبّ الشعر والجمال ويعشق الحياة، وقد لا تعرف أننا ابتُلينا بحزب البعث، وربما لا تعرف أننا نحبّ الحياة إذا استطعنا إليها سبيلاً، كما قال محمود درويش، وربما لا تعرف أننا نرتّل قصائد رياض الصالح الحسين وحسين حمزة وأغاني أبو عرب وسميح شقير، وربما لم يخبرك أحد بأننا نحب الطرب والغناء والرقص ونتفنن في ابتكار طرائق الفرح، وبأننا مثل بقية شعوب الأرض قمنا بثورة نظيفة نقية رائعة فيها كل مواصفات الثورات النقية. لكنك، أنت والعالم الغربي، تركتمانا وحدنا أمام جيش الأسد وأعوانه، بلا حماية. وحولتما ثورتنا إلى قضية إغاثة.
ماذا أقول؟ قلبي مليء بالقهر منك، يا أوباما. قلبي يكاد ينفجر قهراً. أيعقل أن لا تعرف أن النظام قتل دجاجات الخالة أم العبد في المخيم، وهي كانت تتعيش من بيع البيض البلدي؟ بعد أيام نزحت أم العبد مع أسرتها من المخيم، ونامت أياماً في الحدائق، وهي الآن بلا بيت ولا أمل، رصيدها الحزن والخذلان.
هل تعرف مثلاً أن “الجبهة الوطنية التقدمية” لم تفعل شيئاً لإيقاف الحرب، لا بل هي تحالفت مع النظام، مع أنها من الأصل متحالفة معه. كما أن اتحاد الكتاب العرب هو الآخر وقف مع النظام حتى أن الأديب حسين جمعة، رئيس الاتحاد، لا يملّ من الحديث عن المؤامرة الكونية التي تعصف بسوريا.
أريد أن أقول لك شيئاً خطيراً جداً ويكاد يكون سرياً وعاجلاً: النظام يتهمكم بالتآمر عليه، وأنكم أنتم المؤامرة الكونية. أريد منك فقط أن تنفي هذا الكلام وتقول علناً: نحن لسنا جزءًا من المؤامرة الكونية على النظام السوري، وأننا تركنا الشعب وحده إلى مصيره.
أتعرف يا عمّ أوباما! ربما لا تعرف أنه قد تكون بيني وبينك قواسم مشتركة كثيرة، وربما لو أني ولدتُ في الولايات المتحدة الأميركية لكنت الآن رئيساً لها بدلاً منك. فأنا أسمر وحنطي. وربما لو التقينا لحدّثتُك وجهاً لوجه عن الذل اليومي الذي يعيشه السوري أمام الحواجز، مئات الحواجز لا بل آلاف الحواجز في سوريا، كلها تعتقل وترتشي وتذل الناس. فكيف تصمت عن هذا كله؟
حسناً. العمّ بان كي مون ليس لديه غير القلق، أما أنت فلديك أكبر جيش في العالم، ويمكن بإشارة منك أن تُسقط هذا النظام. فلماذا تصمت؟ ولماذا هذا الغزل بينك وبين ايران؟
هل تعرف أيضاً أن طائر أبو منجل الموجود في تدمر والبادية السورية مهدد بالانقراض؟ أرجوك، تحرّك على الأقل من أجل أبو منجل هذا؟ كيف سيعيش العالم إذا انقرض أبو منجل؟
الغريب أن تمثال الحرية عندكم لم يسمع بشعارنا السوري أيام التظاهرات: “حرية حرية بدنا بدنا حرية”؟ كيف ذلك؟ هل يعقل أن يصاب التمثال بالصمم الكليّ؟ أم أن هناك من عطّل قصداً حاسة السمع عنده.
حتى لا تزعل من صراحتي، أحزن كلما سمعتُ منك تصريحاً يخصّ سوريا وأقول بيني وبين نفسي: هل يعقل أن لا يكون قدّ كلامه؟ فأنتَ قلتَ أيام الأسد في الحكم معدودة. هل تعرف أن السوريين الباقين على قيد الحياة حوّلوا التصريح الخاص بك إلى نكتة “أيام الأسد مع دودة”. هل تقبل ذلك؟ أنا لا أقبله بالنيابة عنك يا رجل.
طبعاً، أعرف أنك ستبقى مشغولاً عن سوريا حتى نهاية عهدك، لذلك سأقول لك إن الولايات المتحدة فقدت هيبتها في عهدك، وربما ستهددكم قريباً ميليشيات الأسد. أي نعم. يمكنك أن تسأل جاري أبو علي أيضاً، فرأيه هو هكذا تماماً. رجاؤنا أن تخرج من الرئاسة لنرى غيرك.
والرجاء أن تعرف أني لست من أطباء الأسنان ولا من المزارعين، إنما أنا مواطن سوري فقير هجّره النظام ولم يعد أمامه سوى الصراخ.
كاتب سوري
الحياة