رغم هزائمه… بروباغندا “داعش” تزدهر
تؤكد الهجمات الإرهابية الثلاث التي ضربت أوروبا خلال يومين، في إسبانيا وفنلندا، أن تنظيم “داعش” الذي يفترض أنه يتلاشى في الشرق الأوسط، لا يختفي نهائياً، بل يعيد ترتيب نفسه ويتحول من “دولة الخلافة” المزعومة التي سيطرت على أراض واسعة ونشرت الرعب في العالم منذ إعلانها العام 2014، إلى فلول إرهابية غير متجانسة، تمتلك إرثاً من العنف حوّلها إلى أسطورة في الأوساط الجهادية، تستغله عبر ماكينة دعائية ضخمة لشن هجمات انتقامية في الغرب، بانتظار الفرصة المناسبة لإحياء نفسها.
وقبل أسابيع من هجوم برشلونة، الخميس الماضي، نشرت مجلة “رومية” الداعشية الصادرة بسبع لغات عبر الإنترنت، مقالاً بالصور التوضيحية قدمت فيه النصائح بخصوص أفضل الشاحانات التي يجب استخدامها في عمليات الدهس من أجل إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، بعدما بات هذا النوع من العمليات رائجاً من طرف التنظيم، أو الأفراد الذين يستلهمون تجربته بشكل منفرد، منذ هجوم وستمنستر قرب البرلمان البريطاني، في آذار/مارس الماضي.
وتضمن المقال الداعشي أن السيارة المثالية لعملية الدهس يجب أن تكون “كبيرة الحجم وثقيلة الوزن، مع هيكل مرتفع يمكن أن يزيل القيود والحواجز” كما يجب أن تكون “سريعة وذات معدل تسارع جيد لضمان أقصى قدر ممكن من القوة الدافعة قبل الضرب”، حسبما نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
ولا يمكن التأكد إن كان المسؤولون عن هجمات برشلونة تحديداً قد اطلعوا على المقال، لكن صفات الشاحنة المستخدمة في الهجوم تماثل الصفات التي قدمتها المجلة الداعشية، حيث قاموا باستئجار شاحنة بضائع وتوجهوا إلى ساحة مزدحمة بالمارة، تماماً كما أوردت المجلة.
ورغم إعلان “داعش” مسؤوليته عن الهجوم، ما زال من المبكر الجزم بأنه فعلاً أعطى الأوامر للقيام بالهجمات، حيث يمكن أن يكون المهاجم متأثراً فقط بالتنظيم وهالته الأسطورية، وهو نوع من الإرهابيين يطلق عليهم اسم “الذئاب المنفردة”، والذين يحاولون التماهي مع التنظيم التكفيري متأثرين بالبروباغندا الخاصة به المنتشرة عبر الإنترنت، والذين يستفيد منهم التنظيم بعد تنفيذ هجماتهم بالقول أنه وراءهم، لخلق الوهم بأنه ما زال ذا نفوذ وبطش كبيرين ضد “الغرب الكافر”، ما يسهل عليه مهمة تجنيد مزيد من “الذئاب المنفردة” لخدمة أيديولوجيته العنيفة.
وعلى الرغم من أن “داعش” فقد أكثر من نصف الأراضي التي سيطر عليها في السابق في العراق وسوريا، بما في ذلك مدينة الموصل التي كانت أكبر مركز حضري تحت سيطرته، إلا أن الوجود الالكتروني للتنظيم ما زال قوياً بشكل مروع، مع فشل شركات التكنولوجيا الكبرى في الحد من المحتوى المتطرف. وخلال الأسابيع التي سبقت هجوم برشلونة، أصدرت الجماعة الإرهابية ما لا يقل عن 12 إصداراً في اليوم الواحد، بين فيديو ومقالات، معظمها يهدف إلى حشد المؤيدين أو تشجيع المتعاطفين على القتل، والذبح باسمها. كما حثت العديد من المنشورات الأخيرة، أتباع التنظيم، بشكل صريح، على تحويل الشاحنات والسيارات إلى أسلحة إرهابية.
وهنا، قالت ريتا كاتز، مؤسسة شركة “SITE Intelligence Group” المتخصصة في مراقبة المواقع الجهادية عبر الإنترنت في انحاء العالم، أن هجمات مثل تلك التي وقعت في برشلونة هي تذكير مؤلم بأن “داعش” أكثر من مجرد مجموعة من الأراضي التي تمت السيطرة عليها، بل هي أيضاً شبكة افتراضية تحتل مساحات شاسعة من “التضاريس السيبرانية” التي تتناسب مع المساحات التي تحتفظ بها في سوريا، العراق وأي مكان آخر، مؤكدة أن التنظيم سيستمر في التواجد بشكل أو بآخر حتى يتم تنظيف الإنترنت من البروباغندا الخاصة به.
وبسبب فقدان التنظيم لمعاقله الرئيسية السابقة، مثل الموصل والفلوجة، فقد “داعش” الكثير من الاستديوهات ومرافق الإنتاج، فضلاً عن مقتل ما لا يقل عن ستة مسؤولين رئيسيين فيه ساعدوا في شن حملات دعائية مباشرة، وفقاً لما ذكره مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيون. ونتيجة لذلك، انخفض عدد قنوات التواصل الاجتماعي الرسمية التي استخدمها مسلحو التنظيم خلال العامين الماضيين، من 40 موقعاً نشطاً العام 2015، إلى 19 موقعاً فقط في الربيع الماضي.
ورغم ذلك، ما زالت الذراع الإعلامية للتنظيم غزيرة الإنتاج بشكل ملحوظ، حيث تقدم في المتوسط حوالى 20 منتجاً إعلاميا فريداً كل يوم، من أشرطة فيديو تظهر إعدام رهائن، إلى تعليمات تصنيع قنبلة يدوية خطوة بخطوة، وذلك وفقاً لتحليل أصدره هذا الأسبوع باحثون من المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ومقره لاهاي-هولندا.
المدن