رفض الحماية الدولية أم دعم النظام؟
غسان المفلح
1
“للأسف يا أخ غسان..أنك والمجلس الوطني لاتمثلون الشارع… ومن الخطأ الوطني والإنساني الدفع نحو قرار ضخم كالحماية الدولية دون استشارة الناس!!…فقد سألناكم مرة، النظام السوري لن يسمح لاي مراقب دولي او عربي إلا من خلال التفاوض، وانتم ترفضون التفاوض كمجلس، ما الحل؟؟ الحماية الدولية؟؟ هل تملكون القوة والسلطة للتحكم بمسار الحماية الدولية؟؟ هل إذا قررت امريكا..اتباع سيناريو العراق وليس البوسنة، من يوقفها؟ أنت أم الدكتور غليون؟ وحتى لو اتبعت سيناريو البوسنة أوليبيا، هل لديكم تقدير لعدد القتلي المتوقع من مدنيين وعسكريين، خصوصا مع تداخل المحيط السكاني بالقواعد العسكرية؟؟ هل لديكم تقدير، كم من البنية التحتية سيدمر؟؟ هل تستطيعون لجم التدخلات الإقليمية من عربية وإيرانية وتركية؟”
هذه الأسئلة التي تتكرر دوما يكثفها تعليق قارئ سوري، ويطرحها دوما، علي وعلى غيري من الداعين لطلب الحماية الدولية للمدنيين، وفي كل مرة أحاول الاجابة يعود ليطرح نفس الأسئلة، هو وغيره، والآن بعد قرار الجامعة العربية وبحضور تركي في مدينة الرباط المغربية، والذي أعطى فيه مهلة ثلاثة أيام للنظام في دمشق بقبول استقبال وفد الجامعة مع 500 مراقب حقوقي وإعلامي وسياسي عربي، وتوقيع بروتوكولات خاصة من أجل ضمان سلامة الوفد، وحرية حركته. قد جعلت الامور امتحانا جديا لهذه الأسئلة وأجوبتها، ولكي توضح الوضع العياني الضبابي، والذي تكمن ضبابيته فقط من جهة محاولات النظام المتكررة في قتل شعبنا السوري دون رقيب أو حسيب.
وبالمقابل نطالب الجامعة العربية كما طلبنا سابقا كمجلس وطني منها، بأن يكون للمعارضة السورية عموما وللمجلس الوطني خصوصا، مساهمة في خارطة تحركات هذا الوفد، والمناطق التي يجب أن يزورها، ورفض الوفد لأية أملاءات سلطوية على حركته وحريتها تحت أية ذرائع أو حجج.
والآن الوضع أمام ثلاثة سيناريوهات: الأول أن يرفض النظام قرار الجامعة جملة وتفصيلا. والثاني أن يناور من خلال الموافقة والتحكم بزيارة الوفد وحركته، والثالث أن يقبل بدون مناورات وتضليل، ومحاولات أخفاء ما جرى ويجري على الارض من تقتيل وتشبيح وتدمير لبعض الاحياء في مدن وبلدات وقرى. وبات من الواضح أن رفض النظام أو محاولته القبول مناورة، سيجعل المسألة تتجه نحو مزيدا من التدويل للمسألة السورية. وبذلك يصبح وفق منطق المتسائلين الرافضين لطلب الحماية الدولية للمدنيين، الحل الوحيد هو الحوار مع القاتل وإعادة تنصيبه ملكا جديدا على سورية، ولكن مع شرعية من المعارضة التي حاورته!! وكل هذا من أجل إيقاف حركة الشارع السوري، والذي لم يتحقق شيئا من مطالبه. وعليهم هم أن يجيبوا عن سؤال” لماذا يرفض النظام حماية المدنيين وهم يتظاهرون من أجل مطالبهم؟ وبهذه الحالة من هو الطرف الذي يصر على المزيد من التدويل هل هي المعارضة أم من يريد أن يقتل ويعطى جائزة على هذا القتل؟ اصبحت الآن الأسئلة التي يحاول من يريد الحوار مع النظام وإعادة تنصيبه من جديد بعد كل ما قدمه شعبنا من تضحيات، مكشوفة ولا قيمة لها لأن الامر اصبح الآن بيد مؤسسة دولية هي الجامعة العربية. التي منحت هذا النظام اكثر من ثمانية أشهر ليوقف حمام الدم هذا، ويبدأ باصلاحات جدية كما يقولون؟ واصبحت الجامعة العربية طرفا سوريا داخليا، من خلال قرارها هذا. من هو الذي جعل الجامعة العربية طرفا داخليا؟ هنالك دليل آخر يفقأ العين لمن يريد ان يرى، ان الاطر المعارضة التي كانت منذ بداية الثورة السورية، تدعو للحوار والقيام بوقف الحل الامني والبدء بمؤتمر وطني عام شامل يقرر مصير سورية من أجل الانتقال إلى الدولة الديمقراطية، قد اصابها التفتت والاستقالات الجماعية لرموزها. من يتحمل كل هذا هل هو الشعب؟ أم الاطراف التي رفضت الحوار؟ لانها تعرف هذا النظام وتعرف طبيعته، وتعرف أن هذا النظام، ليس لايقبل بالحوار فقط بل هو لايقبل بدعوات وجهت له من حلفاءه بأن يكون جزءا من السلطة لا السلطة كلها، مع استمرار النظام، فكيف سيقبل بحوار يؤدي إلى انتقال ديمقراطي؟ هنالك حلفاء للنظام طرحوا عليه ان يتخلى عن مساحة من القرار السياسي والاقتصادي والامني للمعارضة من خلال إجراءات اصلاحية، وكلنا يذكر المبادرة الروسية، والمبادرة الايرانية..وكلاهما رفضهما النظام.
إذا كان النظام يقوم بتدمير سورية ويقتل المدنيين، فإن حماية المدنيين على فرض أن حمايتهم يمكن أن تدمر البنى التحتية المدمرة أصلا، يصبح الامر ببساطة- على الأقل- أننا حميننا شعبنا من القتل على يد أجهزة النظام وشبيحته. لهذا مهما حاول بعضنا أن يتذرع بأسباب عديدة من أجل رفض حماية المدنيين، لإن النتيجة تكون لمصلحة حماية القاتل مهما حاولوا تزيين أسئلتهم بالخوف على الوطن أو على عسكر السلطة، وميزان القوى العسكري الداخلي سيفرز بعدها مزيدا من المجازر التي سوف يرتكبها هذا النظام انتقاما. ونحن لسنا أمام خيار الخير والشر نحن أمام خيارات نسبية لحقن دماء شعبنا المتظاهر. فلتخرجوا من هذه العباءة التي لم تعد تصلح للنقاش بعد مبادرة الجامعة العربية، وفكروا معنا بكيفية حماية شعبنا من القتل، وتحقيق مطالبه في الانتقال الديمقراطي بنفس الوقت، أما أن نكون امام خيار إما أن يعود شعبنا لما قبل 15 آذار أو يستمر القتل فهذه معادلة لم تعد مطروحة الآن سوريا.
على المجلس الوطني مرة أخرى وأخرى، أن يسرع بانجاز خطواته المؤسسية، وعلى طرح رؤيته وبرامجه، والبدء فورا بتشكيل مجالس محلية في القرى والبلدات والمدن من أجل المرحلة الانتقالية، وخاصة في حمص وحماة واللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس. والقدرة التنظيمية على استمرار شعبنا بالتظاهر ومن خلال دعم هذه المجالس المحلية. وإذا كان متعذرا عقد الهيئة العامة للمجلس بكامل أعضاءها، يمكن عقدها بمن يستطيع الحضور، وأن تستكمل جميع القوى مشاركتها المؤسسية الفاعلة بالمجلس. شعبنا الآن احوج ما يكون لهذه الخطوة وقد عبر عنها في تظاهرات الأيام الأخيرة. ومع شعبنا لن نغطي عن أية تقصير متعمد او غير متعمد بعد الآن وبعد ما حققه شعبنا بدماء شبابه الطاهرة، من تحريك وتغيير وجهة المسار الدولي إسرائيليا الذي كان يعطي هذا النظام القاتل الفرصة تلو الأخرى..
الآن المجلس على المحك والوقت ليس بصالح شعبنا.
وعندما يرفض النظام قرار الجامعة العربية في الرباط سيكون لنا حديث آخر عن طلب حماية المدنيين، وعلى المجلس الوطني أن يكون جاهزا للخطوة التالية كما هو مطروح داخله.