روبرت فيسك أيضاً يرتكب المجازر
برصاصة “بيكفي”:
ليس مستغرباً أن تصل لا مهنية الكاتب البريطاني روبرت فيسك حد التماهي مع النظام البعثي السوري والترويج لرواياته وسجونه الخالية من معتقلي الرأي وقصص جيشه وشبيحته “البطولية” في أنحاء عدة من سوريا، منها حلب وحمص وأخيراً داريا في ريف دمشق.
يحاول فيسك في صحيفة “ذي إندبندنت” تمجيد بطولات “الجيش العربي السوري”. ويشارك بالتالي في التحريض ليس فقط على الثورة، بل على المدنيين الآمنين تحديداً في مدينة يشكل السنة غالبية سكانها وتقطنها أقلية مسيحية. مدينة لطالما كانت رمزاً للحراك السلمي منذ انطلاق الثورة- “المؤامرة الكونية”.
يبرر في مقاله “الحصري” مجزرة داريا التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثمئة شخص، بينهم الكثير من النساء والأطفال. يعتبر أن عملية تبادل معتقلين بين الجيشين “العربي السوري” والحر كانت الشرارة، ويمضي محاولاً إقناع نفسه وقرائه بسذاجة ويأس أن فشل العملية تسبب بتقدم “العربي السوري” نحو البلدة ووقوع مجزرة. وذلك استناداً إلى مصادره الموثوقة التي يبدو جلياً أنها تنتمي إلى الجهة منفذة المجزرة. واللافت أن الفيلم الهوليوودي “الحصري” أيضاً الذي عرضته قناة الدنيا لم يشر إلى سيناريو مماثل. ورغم تمكن فيسك من تحقيق “سبق صحافي” عجزت عنه المراسلة ميشلين عارز، إلا أنه لم يفلح في تأكيد معطياته عن خلفيات المجزرة من “مصدر رسمي”، مع أنه دخل داريا على فوهة دبابة “الجيش العربي السوري”.
الكلام عن صفقة تبادل لا يبدو مقنعاً أصلاً بين الجيش الحر الذي يقاتل حتى الموت بأسلحة خفيفة ومتهالكة غالباً، و”العربي السوري” الذي بات محط تندر لرفضه مبادلة المعتقلين من مناصريه، باستثناء حالات محدودة جداً. ولا يعقل أن يقود فشل تبادل معتقلين إلى مجزرة. يبدو فيسك واثقاً من هوية المنفذ. لعله ظن أن الجيش الحر يريد ترويع المدنيين الآمنين الداعمين له عبر ارتكاب مجازر في حقهم. أو أنه سئم من قصف المدينة لأيام بدبابات ومدفعية ثقيلة لا يملكها، ثم اقتحمها وحاول تركيع سكانها بالإعدامات الميدانية والذبح، على غرار ما يفعله “الجيش العربي السوري” في معظم المناطق. لعله ظن أن الجيش الحر سرق استراتيجيات “العربي السوري” العسكرية بعدما مل الثوار السلميون من انتظار تحرك العالم، أو أنه يتعمد دائماً أن يكون ضحاياه من أبناء مناصريه وأقاربهم ويتفادى ارتكاب مجازر في مناطق ذات تمثيل سكاني مختلف مثلاً. لعله ظن أن الصدف تقود الجيش الحر دائماً إلى استهداف طائفة ينتمي معظم مقاتليه إليها وتشكل أكثر من 70 في المئة من السوريين، وهي بالتالي عصب الثورة.
بديهيات كثيرة غابت عن فيسك، “العليم” بشؤون سوريا والمنطقة، في حضرة سبق صحافي كهذا!
وما يدينه أكثر استناده إلى شهود تحدثوا فقط عن مسلحين، ولم يشر أي منهم إلى “الجيش العربي السوري” والقصف المركّز الذي تعرضوا له والاعتقالات والإعدامات والتنكيل بالجثث وحرقها والعبث بمسرح الجريمة! كذلك، لم يتنبه أيضاً إلى أن إحدى الشهادات حملت تبريراً لتعرض سيارة صاحبها للقنص، حيث رجح الشاهد أن القناصة ظنوا أن السيارة تقل عناصر النظام! وفي هذا دليل آخر يدين الجهة الوحيدة المسؤولة عن المجزرة، النظام وشبيحته.
واستكمالاً لمحاولته اليائسة إقناع قرائه، ألمح فيسك إلى مخاطرته الباسلة في الذهاب إلى داريا، متحدثاً بعرضية غير عفوية عن تعرض “موكبه” لرصاص قناصة. لكن غاب عنه تبرير عدم بقائه في المنطقة لمزيد من التقصي مثلاً، بدل المغادرة مع منظمي نزهته الصحافية بل العسكرية تلك! في الحقيقة، هو لم يكترث لسماع روايات قد تكون مغايرة تماماً لتلك التي سمعها برفقة حراسه من “الجيش العربي السوري”.
تلميذ نجيب ومطيع هو فيسك! اكتفى بتنفيذ المطلوب منه فقط: جولة مؤللة ومقال مضلل! كيف لا؟ وهو الذي كتب عن مجزرة الحولة المروعة قبل أشهر متسائلاً “ماذا لو سمح جنود الأسد لميليشيتهم العلوية القيام بالعمل القذر بدلاً منهم؟”، وجازماً بتشجيع فاضح أن بشار الأسد سينجو بممارساته كما نجا قبله نظام جبهة التحرير الوطني في الجزائر بمئتي ألف قتيل في التسعينات وأن الغرب سينسى!.
بصفته أحد أبواق آل الأسد الأجنبية المخضرمة، فيسك ليس كاتباً ولا صحافياً بل شريكاً رئيسياً في ممارسات نظامهم الطائفي الدموي. هو أيضاً يرتكب المجازر، يشوه الوقائع ويضلل، ويحاول تسجيل التاريخ بعين واحدة وأذن واحدة ونصف لسان، وليس كما حصل ووفق ما تقتضيه الأمانة الصحافية بل الإنسانية قبل أي شيء.
قد يشبه فيسك في دوره هذا وحملاته البروباغاندية المدفوعة الثمن طبعاً الألماني جوزيف غوبلز، مؤسس صحيفة “دير أنغريف” (الهجوم)، الذي كان مايسترو بروباغاندا هتلر النازية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي ووزير “التنوير العام والبروباغاندا”. وقد يكون التشبيه فضفاضاً على فيسك، لكن لا يُستبعد أن يكون فعلاً مايسترو بروباغاندا الأسد البعثية ووزيراً لإعلامه. من يدري؟
*رابط مدونة “بيكفي”:
http://bekaffi.blogspot.com
*رابط مقال روبرت فيسك باللغة الإنكليزية:
Robert Fisk: Inside Daraya – how a failed prisoner swap turned into a massacre