روسيا… سراب التعاون في الأزمة السورية
هل يمكن أن يتكرم الجميع بالتوقف عن التظاهر بأن روسيا تستطيع أن تكون شريكاً للولايات المتحدة وغيرها من الدول في حل الأزمة السورية؟ خلال الآونة الأخيرة شهدنا سلسلة من الزيارات المحمومة لموسكو من قبل عدد من كبار المسؤولين الغربيين والأميركيين، مثل مستشار الأمن القومي الأميركي، ورئيس الوزراء البريطاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، والأمين العام للأمم المتحدة وجميعهم ذهبوا بغرض الالتقاء بالرئيس السوري لمطالبته- ضمن أشياء أخرى- بمساعدة القيادة الروسية بشأن سوريا. فما الذي تمخض عن كل ذلك؟
تشير التقارير المنشورة في «نيويورك تايمز» يوم الجمعة الماضي أن روسيا قامت بالرغم من اعتراضات القادة الأميركيين والإسرائيليين، بنقل صواريخ «كروز» المضادة للسفن للنظام السوري في دمشق، وهي صواريخ تعزز قدرته على مواجهة أي تدخل عسكري خارجي يتضمن ضربات جوية، أو حصاراً بحرياً، أو منطقة حظر طيران. كما وردت أنباء في صحيفة «وول ستريت جورنال» مفادها أن روسيا قد أرسلت على مدى الشهور القليلة الماضية 12 سفينة حربية على الأقل في اتجاه قاعدتها البحرية في طرطوس بغرض إرسال إشارة للغرب بضرورة التفكير مرتين قبل الإقدام على التدخل في سوريا.
بالإضافة لذلك، صرح وزير الخارجية الروسي أن إيران، وهي الدولة الداعمة الرئيسية الأخرى لنظام بشار، يجب أن تشارك في المؤتمر الذي سيعقد بشأن سوريا الذي تخطط موسكو للمشاركة في استضافته في يونيو المقبل.
وعلى الرغم من أن روسيا قد استخدمت حق النقض«الفيتو» للاعتراض على القرارات الصادرة ضد سوريا في مجلس الأمن الدولي ثلاث مرات، أعرب أوباما في المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء التركي يوم الثلاثاء الماضي عن أمله في أن «يسفر مؤتمر يونيو عن نتائج»، ويتمكن من جمع ممثلي المعارضة وممثلي النظام حول طاولة المفاوضات للتوصل لحل للصراع الدامي في سوريا، الذي أدى لمصرع ما يزيد على 80 ألف شخص، ونزوح ما يقرب من 5 ملايين آخرين من ديارهم بسبب حملات الذبح، التي يقوم بها بشار ضدهم. معنى هذا أن أوباما والقادة الآخرين ما زالوا يتشبثون بأوهامهم القائلة إن التسوية المتفاوض عليها يمكن أن تنهي الصراع.
وكان عدم تدخل القوى الغربية، قد ترك فراغاً في سوريا، جرى ملئه بالقوى المتطرفة المصطفة مع المعارضة ما أدى إلى إضفاء الصبغة الطائفية المتعصبة عليه، وجعل من المستحيل فعلياً التوصل لأي صفقة سلام أو اتفاقية بشأن تشكيل حكومة انتقالية يشترط الروس أنها لا يجب أن تتضمن تلقائياً شرط استبعاد رحيل الأسد.
بوتين مُصر على الحيلولة دون سقوط الأسد، حيث يخشى أن يتردد صدى سقوط رئيس موالٍ عبر مختلف أنحاء روسيا بما يترتب على ذلك من نتائج سلبية بالنسبة لنظامه هو. والصواريخ الروسية لسوريا، وحشد السفن الحربية الروسية أمام الساحل السوري، يبرزان بجلاء رغبة بوتين في استبعاد إمكانية تدخل عسكري غربي ضد الأسد، ورغبته كذلك في المحافظة على بقاء القاعدة البحرية الروسية في طرطوس. كما يعكس هذا التصرف، بالإضافة لذلك، استخفاف بوتين البالغ للولايات المتحدة التي ينظر إليها على أنها دولة ضعيفة تحتاج إليه، أكثر مما يحتاجها.
وبخلاف السياسة الروسية تجاه سوريا، هناك أمثلة عديدة على ذلك الاستخفاف، بعضها يرجع لأسبوعين فقط. ففي اليوم الذي وصل فيه كيري لموسكو، أُحتجز مسؤول سابق في السفارة الأميركية في موسكو-يعمل الآن بالقطاع الخاص- في مطار«شيريميتيفو» لمدة 17 ساعة من دون طعام أو شراب قبل أن يجري استجوابه والإفراج عنه في نهاية المطاف. وعندما وصل كيري لمكان الاجتماع تركه بوتين ينتظر لمدة ثلاث ساعات قبل أن يلتقيه. وعند قيام اثنين من العاملين في السفارة الأميركية في موسكو بزيارة منزل أحد ناشطي المجتمع المدني لإجراء لقاء معه، كان هناك طاقم مصوري كاميرات صديق للكريملن، في انتظارهما كما كان موجوداً أيضاً عند خروجهما من منزل الناشط بعد انتهاء الزيارة. كما كان عرض «رايان فوجل» أمام الكاميرات، بينما كانت روسيا كلها تتباهى بإلقاء القبض على جاسوس أميركي، بمثابة لطمة في الوجه للولايات المتحدة.
على رغم ذلك عمل أوباما على خلق الانطباع بأنه يتطلع للقاء بوتين على هامش اجتماع مجموعة الدول الثماني العظمى في أيرلندا الشهر القادم، وفي اجتماع دول العشرين الصناعية الكبرى في روسيا في سبتمبر المقبل. كما أعرب السفير الأميركي في موسكو- من جهته- عن أمله في أن يتمكن أوباما من حضور دورة الألعاب الشتوية في منتجع سوتشي الجنوبي- وهو شيء كان من الصعب سماعه في الحقيقة.
يجب على إدارة أوباما أن ترى بوتين على ما هو عليه بالفعل وهو: أنه زعيم يحتقر الغرب والولايات المتحدة، ويشرف على حملة قمع لحقوق الإنسان في روسيا. لقد حان الوقت لمواجهة ما يمارسه بوتين، والتصدي لسلوكه، والمحافظة على قدر من الاحترام للذات، وأن نعترف بلا مراء أن النظام الروسي لن يساعد أميركا بشيء في سوريا، وأن بوتين ليس صديقاً.
ديفيد كرامر
رئيس مؤسسة «فريدم هاوس»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
الاتحاد