زنبق فاتن في ردهات خلفية/ بشير البكر
أسفار
رجلٌ في الزاوية،
يكسره الوقت،
في منتصف الطريق.
يذهب في ما تبقّى،
من رائحة الليل الصحراويّ،
الآتي بأطياف الفرسان،
من بعيد،
الذي يشمّر عن أحزانه،
لحظة إقفال الحانات.
الشقاء كحيوان ثمل
يطلّ برأسه من جدار الهزيمة،
أراضي البدايات،
الأوطان العاقرة،
وما فاض عن كأس الثمالة.
لا نجمةَ في طريق الفجر.
الألم يجلس وحده،
يدخّن سيكاره الكوبيّ،
في انتظار مرضى الفكر،
لكي يتناول قهوته،
قبل أن يلقي تحية الوداع.
هو المكبّل،
يتسكّع كالندم،
الذي يجرّ نفسه في اتجاه العزلة.
رجل يصعد في اتجاه النهاية،
غير آسف،
أوطان من غبار
وأصدقاء يتسامرون،
عند الحافّة.
وحده يفتّش،
عن بذرة النشوة،
في بلاد أخرى،
تتقدّم في النوم،
على وشك البكاء
تتمدّد على ظهرها
في ظلال صفصاف الخابور،
تترّقب لحظة أفولها
التي تحين مثل ليلٍ يتجمّد.
لن يطيرَ القطا
في اتجاه “الجزيرة”*
لا ترسلي بطاقات بريدية.
عند مسافة أبعد،
بلا مبالاة،
الأرق مصابٌ بالحمّى
يطرق الباب
ذهابًا وإيابًا.
* شبه الجزيرة السورية (الحسكة)
زوايا غنائية
في “كينغز كروس”
ظلمة في اتجاه
أبعد من المكان.
مصابيح تؤرّخ للأوقات الخاصّة،
في ليالٍ مشتعلة بالبوح.
الرعاع روّاد الكهوف الناعمة،
الذين تلمع عيونهم
في الفجر.
خيول الرومنطيقية،
ذات الأفواه الناعمة
والقبل الطريّة،
أصوات مبحوحة،
خلف الستائر،
تأتي من شجن دافئ
ترفرف حول أشجار الإسمنت،
في وحشة الليل،
تهزّ الهواء الراكد،
كما يحرّك الموت الأرض المهجورة.
حياة خاصّة،
ملطخة باللذة والمجون.
حرير الأوقات الشبق،
يستلقي فوق تاريخ
من الأحلام،
في اضطراب الأضواء،
حين تزدحم الأزقّة بالرغبات.
الألم والبهجة،
ينمو الزنبق الفاتن،
في ردهات خلفية،
كشريط حياة تحتفي بالأخطاء،
وتذوب في الشهوة،
كل ليلة،
عند الفجر،
قرب كأس شراب.
خطوة بعد خطوة،
نحو سرير يسافر آلاف الأميال
صعودًا إلى الذروة،
العالية كعمودٍ من نار.
الآن، ربّما كان دائمًا،
بالألفة ذاتها تقريبًا،
الحبّ ساقني إليك،
وأتى بكِ نحوي.
اختارني لأكون ربّان مركبك،
وحلّق بك لتصيري أيقونتي.
مرتجلةً عن شجرة العيد،
بيضاء يهلّ منك الألق،
تستقبلك يداي النابضتان بالشكر
لحظة اللقاء،
حين نصيرُ عجينًا واحدًا،
وكسرة خبز لقوت الحب.
حيث اعتاد أن يكون القلب،
أيام إلى غير هدف،
تشهد صدى الطعنات البيضاء،
كالحصان الشارد في الريف،
أنا العائد إلى مكان لم أكن أقصده،
الرجل الذي يبعثر روزنامة أيامه،
ليراك تتشمسين في ظلّ الظهيرة،
فوق قطيع الأسرار.
السيدة ذات اللهب السعيد،
الزمن الذي يشيخ،
البلاد الكبرى التي على وشك البكاء،
والرجل الجالس مثل كلب جائعٍ
في لوحة تجريدية،
يحدّق بألبسة النساء الداخلية
المنشورة فوق خيوط الجمال التالف.
من أجل هذا المحيط الهائج،
عبر نوافذ الوقت المحكمة الإغلاق،
أصغي لندائك،
لا أرتوي، ولا تبخلين.
لا أشبع،
ولا تكفّين أن تهزّي بجذع النخلة.
الأيام ما زالت أمامي تنتظر،
بعد الطوفان،
سأسير من جديد،
نحو البرهة العائدة بالأحلام القديمة
على جناح القصيدة.
كان عليّ أن أعيدك نحوي،
لكي لا ترجعي كزائر في الخريف.
أصعد درج المشقّة،
إلى ثمرة النوم التي رميتني بها،
لأصحو من ثقل اليقظة،
بعد أن سقطت على طرقات بعيدة،
إلى ما وراء زمن مات على غير هدى،
واخترق في بلاد أخرى،
من قرون تستعصي على الحبّ.
سيرة لا تنتهي
هذا أنا،
أبتعد واقترب.
بين حين وآخر، أذهب وأعود،
أفتّش عن آثار أيّام هاربة هناك،
كمن يسقط في دائرة الهلاك.
وأنتِ،
الباقية في وقتي الخاصّ،
القطرة التي لم تفارق الكأس،
كمارّة الميناء البعيد،
المقوّسة من الانتظار.
أتقدّم نحوك،
تكفي الخطوات التي تتكسّر،
كي تنكّل بي،
ما أدراني،
اللعنة وحدها تستحق العزاء،
في صباح عصيّ على النوم،
إلى أطراف أقوام شاردة،
في لندن، حيث يسرقني البياض،
وتأخذني من الغفلة يد امرأة في الخمسين.
إن لم يكن الإفراط في الخسارة،
فإني على حافّة مصادفة غير سعيدة.
التردد الريفي يطوح بي،
لو كنت مقامرًا عاثر الحظ،
أو محاربًا لطواحين الهواء،
ربّما رسمت لقدري الضال خطًا وهميًا،
لا ينتهي عند حدود شجرة العائلة والوطن.
كان ظنّي أن أسقط نحوك،
دون مراسم،
بلا أوسمة السلالة المنقرضة
لا أريد من الأرض سوى الفضاء،
ومن السماء النجوم
في ليل الصحراء.
كأيّ خاسر أبدي،
أنفق أيامه بين القراصنة
وحانات المرافئ البعيدة.
نادمًا، أم ضاربًا الأبواب خلفي،
أريد أن أخترق الماضي،
لإعادة تمثيل الضياع،
ذلك التواطؤ مع الحنين
الذي فكّر بكِ ذات ظهيرة،
تلتفّ على نفسها في خريف لا يبرح الأيام والأمكنة
حين لا تقرع أجراس الكاتدرائيات
ولا يأتي الثلج كي يحتفل الموتى بعيد الميلاد.
أنت، التي تنكرين
ماذا فعل بنا شجر الأسلاف.
كيف مشينا طريق النهاية،
من نقطة الصفر إلى الذروة
لم أكن أعرف لأي وقت سنعود
أية أبجدية سوف نتهجّى.
العربي الجديد