صفحات الرأي

زوايا الإرهاب المعتمة/ جهاد الرنتيسي

 

يستدعي الاعتراف بمهادنة إيران، الذي ادلى به قيادي في “القاعدة” خلال سجال بين أجنحة التنظيم المتصارعة، مراجعة انطباعات عامة، جرى التعامل معها كمسلمات في القدر الأكبر من التحليلات التي تناولت العلاقة بين قطبي الاصطفاف المذهبي في المنطقة .

في إشارة المتحدث باسم الدولة الإسلامية بالعراق والشام، أبو محمد العدناني، إلى “نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه” بعدم شن هجمات في إيران، تشكيك بفرضيات تحولت مع مرور الوقت، وطول استخدامها، إلى بديهيات، ونفض للغبار عن تسريبات وشكوك، جرى التعامل معها كشائعات .

مصداقية اعتراف العدناني مبنية على شواهد، لم تجد تفسيراً مقنعاً لدى ظهورها للوهلة الأولى قبل سنوات، مثل إقامة قياديين من القاعدة وعائلاتهم في إيران بعد الخروج من أفغانستان، وعدم وقوع هجمات للقاعدة، في الأراضي الإيرانية رغم العداء المعلن لأتباع المذهب الشيعي في الخطاب القاعدي.

أول ما يثير الاهتمام لدى التوقف عند اعتراف العدناني، الاستراتيجية والتكتيك في منظومة تفكير الذين وصفهم بـ “شيوخ الجهاد” ويطلق هذا الوصف، على قادة ورموز التنظيم الذين يمتلكون الحق في النصح والتوجيه، أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

قد نصل إلى ترتيب منطقي لعناصر المعادلة، إذا افترضنا أن قادة تنظيم القاعدة اضطروا لإعطاء هذه التوجيهات تحت تأثير الحاجة للمأوى، أو تغليب العداء للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، من قبل.

لكن تسلسل أحداث المنطقة خلال العقدين الماضيين، ودور القاعدة فيها، لا يوحي بإمكانية الوصول إلى مثل هذا الترتيب

فقد عمل “شيوخ الجهاد” على إخراج إيران من دائرة أهداف انتحارييهم وسياراتهم المفخخة، في الوقت الذي يقومون بهجمات دموية على تجمعات شيعية وسنية، ودور عبادة في العراق، وغيره من دول المنطقة، تحت يافطة قتال الروافض .

مثل هذه المعطيات تقود إلى فرضية مفادها أن قيادة القاعدة تعطي الأولوية للبعد السياسي، المتمثل بإشعال بؤر التوتر على البعد الفكري والعقائدي الذي يبرر لها قتل أتباع المذهب الشيعي .

يوحي ذلك أيضاً بسقوط العداء لـ “الروافض” من منظور الفرز المذهبي، بين السنة والشيعة، ليأخذ بعداً سياسياً تتقاطع فيه المصالح، أو تسير في خطين متوازيين أحياناً .

طريقة شيوخ القاعدة في ترتيب أولوياتهم، لا تبتعد عن الطريقة التي تتبعها السياسة الإيرانية حين يتعلق الأمر بإشعال بؤر التوتر في المنطقة للضغط على الغرب لدى احتداد الخلاف حول الملف النووي .

لا يقتصر التناغم على طريقة التفكير، ففي إيواء إيران لنشطاء القاعدة وعائلاتهم، مقابل امتناع التنظيم عن القيام بهجمات في الأراضي الإيرانية، بعض التفاهم والتنسيق حول قواعد الاشتباك، قد يصل إلى حد الاستخدام .

الكوة التي فتحها العدناني دون قصد، خلال سجاله، مع زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، تتيح تسليط بعض الضوء على واحدة من الزوايا المعتمة، في العالم السري لتنظيم القاعدة وإيران، وتساعد على فهم أعمق للظاهرتين اللتين قدمتا المساهمة الأكبر في التجييش المذهبي والطائفي الذي أدى لسقوط قتلى وجرحى وترويع آمنين على مدى ثلاثة عقود مضت، وتجاوز عثرات التمييز بين صخب الإرهاب وصداه

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى