سائح بالصرماية/ لقمان ديركي
تبدأ مرحلة “السياحة بالصرماية” بالهروب الحرّ من البلد بشقّيه النظامي والتهريب. يكون الهروب عادة إلى دول الجوار، وفي دول الجوار يستقرّ السائح السوري، أو يقرّر السفر إلى جنة الخلد أوروبا أو أمريكا أو أستراليا. فيبدأ بداية بتقديم الطلبات النظامية. يقدّم إلى الأمم المتحدّة وينتظر، يقدم على فيزا إلى ألمانيا بعدما أرسل له ابن خالة أمّه دعوة من هناك وينتظر، يقدم إلى الولايات المتحدة بعد أن أتاه قبول جامعي وينتظر، يقدم إلى جهنم الحمرا وينتظر.
ويكون هناك من ينتظر السائح أيضاً لكن ليس على أحرّ من الجمر، إنما باسترخاء تام وثقة خالصة. فهو يعرف أن “السائح بالصرماية” سيأتي في النهاية إليه، إنه المهرِّب، عفواً.. سعادة المهرِّب. فهو بالنسبة إليك أهم من مليون سفير، بل إنه السفير الحقيقي بالنسبة إليك وإلى أمثالك من السياح، وكلمته ما بتصير كلمتين. بينقعك لأسابيع في بحيرة الانتظار وبيسبّحك من موعد لموعد، موعدنا اليوم، تتصلّ بالمهرب فيردّ عليك بنشافة ويسبِّحكَ باتجاه موعد جديد يقرّره هو في الزمان المناسب. إي والله يا أبو شريك، هيك قال لي المهرب: “أنا بحدّد الموعد في الزمان المناسب، وقعدنا ننطر، ما في حل غير هيك، لأنو المهرب بيتضايق من النق. على كل حال هو ما بيردّ عالتليفونات، بس رح يعرفك من ميسد كولاتك، ورح تكون بنظره من فئة النقاقين، بقى بتحبي أني اكون من هالفئة بنظره؟!”.
لكن زوجتي لا تهتم بنظرة المهرِّب إلي فتطلب رقمه وتناولني الموبايل، وبالطبع فإنه لا يرد، انبسطتي؟! هي سجلتي علي نقطة عنده وفوقها ما ردّ، يعني نقطة عالفاضي، بيجوز يبطل ياخدنا الزلمة، لأنوالزباين حواليه متل النمل، ومو ناقصه زبون العوافي أبداً. الزلمة بينقي زبوناته تنقاية، ما بياخد غير الأكابر والعيل وأولاد العيل، ومو بعينه المصاري، هو هيك قال لي، قال أنو عم يخدم الشعب، ومن كل هالعشرة آلاف يورو تبعي ما رح يطلع له غير خمسمية. الطريق مكلفة هداك المبلغ يا أبو شريك، بده يطعمي الكل، ما في مجال، طعمي التسعة بتاكل العشرة، هيك قال لي المهرِّب، المهم بتكون قاعد أو متسطح بوضعية “السائح بالصرماية” مسترخياً وبيرن موبايلك، بتشوف رقمه للمهرب على شاشة موبايلك فبيقشعر بدنك من الفرحة، وما بتتركه يكمل الرنة وبترد، أصلاً إذا رنّ رنتين وما رديت بينزعج منك، ألو.. إي معلم..أمرك معلم.. من عيوني معلم. وتنتهي المكالمة، لقد طلب منك أو بالأحرى أمَرَكَ سعادة المهرّب بالقدوم إلى إزمير أو اسطنبول، فساعة الصفر قادمة في زمانها المحدّد. وهناك تنتظر من جديد، أنت لن تراه شخصياً، سيأتي شخص من طرفه ويأخذك إلى الحلاق المتعاقد مع المهرّب. ينظر الحلاق إليك لدقيقة ويقرّر، أنت بتلبقلك تسريحة المونديال، شو؟! وليييي!!
لكن هيهات فلا جدال مع أوامر سعادة المهرّب، تسلمه رأسك فتخرج شبيهاً باللاعبين الأجانب في كأس العالم الأخيرة. صرت أوروبياً الآن، ولم يعد شكلك مثيراً للشبهات. السائح الذي قبلك صبغ له الحلاق شعره فأصبح أشقر اللون، ولكن المهمة لم تنتهِ، هناك الملابس، يختارها لك رجال المهرِّب، كما يختارون لك الإكسسوارات، فتنظر إلى نفسك في المرآة وترقص وتغني: “إيه المايكل جاكسون ده.. إيه ال عامله بنفسك ده.. عيب عليك في السن ده.. كلّمني”، لكنك لن تكلِّم أحمد عدوية، ولن تردّ عليه، أنت لا تردّ على أحد في الدنيا سوى على المهرِّب. هو حياتك الآن، هو مستقبلك، هو أحلامك، هو طموحاتك، وها هو على النقطة ينتظرك، أنت لن تراه إلا على النقطة، نقطة الصفر، نقطة الدخول من بلد إلى بلد، نقطة التطور درجة في الطريق إلى الجنة، وتلمح عيناك ظلاً طويلاً غامضاً مهيباً واقفاً عند النقطة الحدودية بانتظارك. تهرع باتجاهه وسط الظلمة الحالكة أنت وزملاؤك السوّاح وقلبك يدقّ بقوة، تصل إليه فتلمحه عيناك اللتان تغرورقان بالدموع الآن. يشير إليكم أن تمرّوا، تمرّون بخشوع رهيب لا يعكّر صفوه سوى صوت المهرِّب وهو يعنِّف أحد زملائك قائلاً له: “ولك يا حمار ليش كنزة فوسفوري بنصاص الليالي.. لييييش؟!”.
المدن