صفحات الثقافة

سـبع قصائـد مـن ديـوان «الغـراب» لتيـد هيـوز


عندمـا شـوى اللـه الغـراب فـي الشـمس صنـع الألمـاس

مأساة التفاحة

وهكذا، في اليومِ السابع،

استراحَ الثعبان.

جاءهُ الله

وقال: «لقد ابتكرتُ لعبةً جديدة.»

حملقَ الثعبانُ مشدوهاً

بهذا الدخيل.

فقالَ الله: « أترى هذه التفاحة؟

سأعصرُها فانظُرْ- هي ذي الخمر».

شربَ الثعبانُ حتى الثمالة

ثم التفَّ كإشارةِ استفهام.

شربَ آدم و قال:« كُنْ ربّي».

شربتْ حواء وفتحت فخذيها

ونادتِ الثعبانَ الذي تعتعتْهُ الخمر

ومنحتْهُ الوقتَ جامحاً.

ركضَ اللهُ وأخبرَ آدم

الذي حاولَ في غضبٍ سكران أن يشنقَ نفسه في البستان.

سعى الثعبان ليشرحَ ما يجري، صارخاً «توقّفي»

لكنّ الخمر خلخلتْ نطقه

فبدأت حواء تصيحُ مذعورة وتدوسُ رأسه:

«اغتصِبْ! اغتصِبْ!»

الآن، كلما تراءى لها الثعبانُ ولولَتْ

«إنه هنا مرة أخرى! النجدة! النجدة!»

ثم يهشّم آدم رأسَه بكرسيّ،

ويقولُ الله: «أنا مغتبط»

ويمضي كلُّ شيءٍ صوب الجحيم.

ملك الجِيَف

قصرهُ من الجماجم.

تاجهُ هو الشظايا الأخيرة

من إناءِ الحياة.

عرشهُ مشنقةُ العظام، منصّةُ المشنوق

ومِحفَّتهُ الأخيرة.

رداؤهُ سوادُ الدمِ الأخير.

مملكتهُ خاوية –

العالمُ الخاوي الذي حلّقتْ عنهُ

الصرخةُ الأخيرة، وتناءَتْ يائسةً عظيمة

صوب عماءِ الخليج وخرَسِهِ وصَممه

لتعودَ، متقلصةً، صامتة،

كي تحكمَ الصمت.

الباب

هناك، يقف جسدٌ تحت الشمس.

إنه نشأةُ العالمِ الصَّلد.

إنه جزءٌ من جدارِ العالم الترابي.

نباتاتُ الأرض – كالأعضاءِ التناسلية

والسُّرّةِ العديمةِ الأزهار

تحيا في شقوقهِ.

كما تحيا بعضُ مخلوقاتِ الأرض كالفم.

جميعهم متجذّرون في التراب، أو يأكلون التراب، ترابيُّون،

يزيدون سماكةَ الجدار.

ثمة مدخلٌ وحيد في الجدار –

مدخلٌ أسود:

إنه حدقةُ العين.

عبر ذاك المدخل جاءَ الغراب.

مرفرفاً من شمسٍ إلى شمس، عثرَ على هذا المنزل.

أغنية الغراب عن نفسه

عندما ضربَ اللهُ الغرابَ بمطرقته

صنعَ الذهب

عندما شوى اللهُ الغرابَ في الشمس

صنعَ الألماس

عندما سحقَ اللهُ الغرابَ تحت الأثقال

صنعَ الكحول

عندما مزّقَ اللهُ الغرابَ إرباً

صنعَ النقود

عندما فجّرَ اللهُ الغرابَ

صنعَ النهار

عندما علّقَ اللهُ الغرابَ إلى شجرة

صنعَ الفاكهة

عندما دفنَ اللهُ الغرابَ في التراب

صنعَ الرجل

عندما حاولَ اللهُ أن يشطرَ الغرابَ إلى نصفين

صنعَ المرأة

عندما قالَ الله:« أيها الغراب، أنت الرابح»،

صنعَ المخلّص.

عندما استبدَّ اليأسُ بالله

شحذَ الغرابُ منقارَهُ وراحَ يلتهمُ اللصَّين.

أغنية حبّ

أحبَّها وأحبَّتهُ

امتصّت قبلاتهُ ماضيها ومستقبلها برمتهما أو حاولت

ما كانت بهِ شهيةٌ أخرى

عضَّتْهُ قضَمتْهُ امتصَّتْه

أرادتْهُ كلَّهُ في داخلها

آمناً وواثقاً إلى أبد الآبدين

صرخاتهما الصغيرةُ ترفرفُ خللَ الستائر

لم تشأ عيناها أن يفلتَ أيُّ شيء

تسمّر ناظراها على يديهِ رسغيهِ مرفقيه

قوياً تشبّثَ بها

لئلا تسحبَها الحياةُ من تلك اللحظة

أرادَ أن يوقفَ المستقبلُ كلُّه جريانَهُ

أراد أن يتهاوى وذراعاه ملتفّتان حولها

عن شفير تلك اللحظة وإلى قعرِ العدم

أو الأبديةِ أو أيِّ شيء يقبعُ هناك

كان عناقُها مطبعةً هائلة

كي تطبعَهُ في عظامها

كانت ابتساماتهُ حجراتٍ صغيرة في قصرِ الجان

حيث لا يجيءُ العالمُ الحقيقيُّ أبداً

كانت ابتسامتُها لدغاتِ عنكبوت

فيستلقي ساكناً ريثما ينتابها الجوعُ

كانت كلماتهُ جيوشَ احتلال

كانت ضحكاتُها محاولاتِ اغتيال

كانت تقاطيعهُ طلقاتٍ وخناجرَ تنتقمُ

كانت نظراتُها أشباحاً في الزاوية تواري أسراراً مرعبة

كانت همساتهُ سياطاً وجزماتِ جندٍ ثقيلة

كانت قبلاتُها مُحامــين لا يكــفّون عن التدوين

كان حنانهُ كلاليبَ المنبوذة الأخيرةَ

كانت أحابيلُ عشقها أقفالاً تصلصلُ

وصرخاتُهما العميقة تزحفُ فوق أرضيات الغرف

مثل حيوانٍ يجرُّ مصيدةً كبيرة

كانت وعودهُ كمّامةَ الجرَّاح

وعودُها خلعتْ سقفَ جمجمته

لتصنعَ منه دبوسَ زينة

سلبتْها نذورهُ كلَّ قواها

أراها كيف تحوكُ عقدةَ العشق

نذورها تُودِعُ مقلتيهِ في الفورمالين

وراء دُرجها السري

التصقتْ صرخاتهما بالحائط

أخلدَ رأساهما على حدةٍ إلى النوم

مثل نصفي بطيخةٍ مشطورة،

لكن من الصعب إيقاف الحبّ

في نومهما التوأم تبادلا الأذرعَ والسيقان

في أحلامهما تبادلَ دماغاهُما الأسرى

في الصباح ارتدى كلٌّ منهما وجهَ الآخر.

شذرةٌ من تعويذة عتيقة

فوق – الشفتان المعروفتان، يكسوهما زغبٌ ناعم.

تحت – لحيةٌ بين الفخذين.

فوق – حاجبُها، سلّةُ الجواهر الملفِتة.

تحت – البطنُ، وفي سرّته عقدةُ الدم.

فوق – كم من تقطيبةٍ موجعة.

تحت – قنبلةُ المستقبلِ المتكتكة.

فوق – أسنانُها المرصوصة، يلوحُ عند زاويتها طيفُ ناب.

تحت – أرحاءُ عالَمَين.

فوق – كلمةٌ وتنهيدة.

تحت – أطفالٌ وبُقعُ دم.

فوق – الوجهُ، مُصاغاً كقلبٍ لم يُمسّ.

تحت – وجهُ القلبِ الممزَّقُ.

وردة الفجر

يذوبُ قمرٌ من صقيعٍ قديم.

ألمٌ تحت الألم، هدوءُ الغبار،

وغرابٌ يكلّمُ آفاقاً حجرية.

موحشةٌ صرخةُ الغراب المتغضّنةُ

مثل فمِ امرأةٍ عجوز

عندما تنتهي الجفون

وتستمرُّ التلال.

صرخةٌ

بلا كلمات

مثلُ أنينِ الطفلِ المولود للتوّ

على الموازينِ الفولاذية.

مثلُ الطلقةِ البكماء وما يلي حشرجتَها

بين الصنوبرات، في شفَقٍ ممطر.

أو مثلُ السقوط ِالمباغت، السقوطِ الثقيل

لنجمةِ الدم على الورقةِ العريضة.

(شاعر سوري)

ترجمة جولان حاجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى