صفحات الثقافة

مفتاحٌ مكسورٌ

 

جلال الاحمدي

لديّ مفتاحٌ مكسورٌ منذ زمنٍ بعيد وأنا أفكر بالتخلص منه, لكنني أشعرُ بالرّهبة كلّما حاولتُ أن أُخرجه من دائرةِ احتمالاتِ الباب, لا أعرفُ إن كان لهذا علاقة بالقلب المكسور الذي أنقلهُ معي من شجرةٍ لأخرى بحجّة أنّ العصافير تتخفف من نصفِ حقيقتها لتطير!

عندما أكون سكراناً أدخل هذا المفتاح في كلّ الأبواب التي أجدها في طريقي, مجرد تخيّل أن ينجحَ الأمر يجعلني أشعرُ بالندم على كثيرٍ من أنصاف الأشياء التي قذفتُها خارج ذاكرتي من نافذةٍ ما!!

لديّ حياةٌ كاملةٌ لأخسرها لكنني أقضي نصفَ عمري في فتح أشياءٍ لا قيمة لها والنصف المتبقي أقضيه في محاولاتٍ لإغلاق تلك الأشياء, أفتحُ كتاباً وأغلقه.. أفتح الحاسوب وأغلقه.. أفتح عيني وأغلقهما, أفتح علبة سردين فينقطع السّرد ولا أتمكن من إغلاقها مجدداً, أكرهُ علب السّـردين لأنها تصرخُ بفشلي أمامي، كان يحدث هذا بشكلٍ أوضح عندما تجرح يدي بطرفها الحاد لتسقط تحتِ الطاولة حياتي كجنديًّ سابقٍ على شكل بقعةِ دم, كم هو مؤسفٌ أنّ قطعة بالية من القماش قادرةً على مسح حياةٍ كاملةٍ من الألم لكنها تعجز أن تمنحها أيّ نوعٍ من بهجة النسيان!!

لديّ مفتاحٌ مكسورٌ… هذا ما أقولهُ كلّ يومٍ للذين يشمئزّون من مصافحتي وهم يُحدّقون في يدي, لكنّ أحداً منهم لم يسألني: كم علبة سردينٍ فتحتَ حتى الآن؟!

اليمن

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى