صفحات سوريةفايز ساره

سـوريـون فـي مـصـر


فايز سارة

لعل الأهم فيما يفاجئ القادمين إلى القاهرة، هو الحشد الكبير من السوريين الذين يمكن ملاحظة حضورهم في مطار القاهرة. والبساطة الشديدة التي يتعامل به جهاز الأمن العام المصري في دخول هؤلاء إلى مصر، هي إشارة إلى التسهيلات التي تشجع السوريين للذهاب إلى هناك، وتساهم في تفسير وجود أكثر من مليون سوري حالياً في مصر، وأغلب هؤلاء غادروا سوريا في غضون العام ونصف العام الماضيين من عمر الأزمة، فيما الأقلية منهم كانوا قد سافروا وأقاموا هناك في خلال العقود الماضية سواء للعمل أو الدراسة، ووفق أوساط حقوقية سورية، فإن في مصر نحو مئة وخمسين ألفا من السوريين مسجلين باعتبارهم لاجئين.

معظم السوريين في مصر يقيمون في القاهرة، ويمكن ملاحظة حضورهم في الأماكن العامة من أسواق وفنادق ومقاهي القاهرة على تنوعها، لكن التعبير الأوضح لوجود السوريين الكثيف، موجود في مناطق القاهرة الكبرى، ومنها مدينة الرحاب وفي مدينة نصر، الغاصتين بأعداد كبيرة من السوريين.

أغلب السوريون في مصر والقاهرة على وجه الخصوص خليط من العائلات والأشخاص، ومعظم الأخيرين في سن الشباب، لكن القاسم المشترك لمعظم هؤلاء انهم فروا من مدن وقرى سورية، تعرضت للقصف والاجتياح من قوات الجيش والأمن، او انهم خافوا من حصول تلك العمليات في مناطق إقامتهم وتأثيرها على حياتهم، والبعض منهم من نشطاء الحراك الشعبي، وبينهم قادة تظاهرات او نشطاء إغاثة ومساعدات إنسانية وطبية، والبعض منهم نشطاء سياسيون من أعضاء جماعات المعارضة السياسية تعرضوا للملاحقة والاعتقال بسبب نشاطاتهم، فقرروا المغادرة واختاروا القاهرة.

وباستثناء المقيمين المستقرين قبل الأزمة، فإن القادمين الجدد ينقسمون إلى فئتين، الأولى ميسورة اختارت مصر والعيش فيها لأنها رأت ما يناسب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، بينما اختارت الثانية مصر، لأنه لم يكن أمامها خيارات أخرى، بسبب قرب مستوى المعيشة فيها من مستوى المعيشة في سوريا، ولسهولة السفر إليها والإقامة فيها مقارنة بدول أخرى، بما فيها الأردن ولبنان، غير ان القدوم الكثيف للسوريين إلى مصر رفع أجور السكن بدرجة كبيرة في القاهرة ومحيطها، رغم ان الروح العامة للمصريين لا تؤشر إلى روح استغلالية عندهم حيال السوريين.

الحياة المصرية بمجالاتها المتعددة مفتوحة أمام مساهمة السوريين فيها، ولكن من الصعب الحصول على عمل بالنسبة لأغلب السوريين على تنوع وتميز تخصصاتهم المهنية والعلمية والتقنية والفنية، خاصة، أن مصر ما زالت تعاني من الآثار الاقتصادية لفترة ما بعد الثورة، وهناك تخوفات مطروحة بصدد الاستثمارات الجديدة التي يمكن لبعض السوريين ان يدخلوها، لكن بعض اصحاب رؤوس الأموال من القادمين الجدد، انخرطوا بحذر في مشاريع أولية يراهنون على تطويرها، وانضموا إلى المستثمرين السوريين السابقين في مصر الذين قالوا إن البعض منهم له وزن ملحوظ في صناعة النسيج.

وليست مشاكل السكن والعمل وظروف الاستثمار هي التحديات الوحيدة التي تواجه السوريين في مصر، بل الأمر معقد أكثر من ذلك. اذ هناك فئة من السوريين الفقراء الذين وجدوا انفسهم هناك هرباً من ظروفهم من دون أي حسابات اخرى، وهم بحاجة إلى مساعدات كلية، مساعدات من أجل السكن والطعام والشراب والصحة والتعليم، وتتعاون هيئات شكّلها سوريون هناك، مع مؤسسات مصرية أهلية ومدنية وحكومية، في تلبية احتياجات هؤلاء في قضايا السكن ومستلزمات الحياة الأخرى، وقد تدخلت السلطات المصرية للمساعدة في توفير الخدمات الصحية والتعليمية وصولا إلى توفير كل مساعدة ممكنة طبقاً لما يردده مسؤولون كبار في الخارجية المصرية، مؤكدين ان ذلك يمثل توجهاً للحكومة المصرية استجابة لمطالب الشعب المصري.

مصر ليست مجرد بلد يلجأ إليه السوريون في وقت المحنة التي تعيشها بلادهم هرباً من موت أو جرح، ولا بحثاً عن أمان مفقود او لحاجة لا تتوفر في بلدهم، بل إن مصر أكثر من ذلك بكثير للسوريين. ويكفي القول، إن كثيراً من شخصيات المعارضة السورية توجهت للإقامة هناك، وأن العديد من جماعات المعارضة السياسية وتنظيماتها جرى تأسيسها في القاهرة، بل ان مؤتمر المعارضة السورية الذي جمع أكبر طيف من جماعات المعارضة وتنظيماتها في تموز الماضي انعقد في القاهرة، ووسط احتواء شعبي عام للسوريين، فإن السلطات المصرية توفر أفضل ظروف لنشاطات السوريين المدنية والسياسية.

أن يلجأ السوريون إلى مصر بكثافة في زمن المحنة، فإنها ليست المرة الاولى. فقبل قرن من الزمان وأكثر، وبفعل شيوع القمع البوليسي التركي، في وقت كانت تخضع فيه بلاد الشام والعراق للسيطرة التركية، ووسط صعوبات الحياة في تلك الأيام، كانت مصر محطة نخبة سورية كبيرة من رجال الفكر والثقافة والاعلام والفن، بينهم عبد الرحمن الكواكبي وعبد الرحمن الشهبندر وغيرهم كثير، وقد تكررت تلك الحالات في ظروف القمع الذي أحاط بسوريا على مدار القرن الماضي كله، وإن يكن بفوارق نسبية.

كاتب ـ سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى