سلاح… وسياسة/ سمير العيطة
يحضر بعض القادة أو المسؤولين السياسيين في الفصائل المقاتلة للمعارضة، عرباً وكرداً، ندوات تقيمها مراكز أبحاث هنا وهناك، أو حتّى مؤتمرات للمعارضة. لكنهّم يحرصون على الوقوف دائماً على مسافة ممّا يجول في الصالات والأروقة، تتأرجح بين أمل في أن تأتي السياسة بأفق للحرب، لوقفها أو لما بعدها، وبين رصد ألاعيب السياسة السوريّة والإقليميّة حول ما يعيشونه هم موتاً كلّ يوم.
هذا يعيد للذاكرة اللحظات التي رصدتها بعض تقارير التلفزة في أوائل 2012 عندما وصل مراقبون، عرب ثمّ أمميون، بغير سلاح، ليحولوا دون تصاعد العنف. كانت الجماهير المحاصرة ترفعهم على أكتافها وترجوهم أن يبقوا بينها كي يتوقّف القصف والقتال. وكان الجنود على حواجز العودة يدقّون على نوافذ عرباتهم مع رجاء أن ينقذوهم من المعضلة التي وُضعوا فيها.
كان الطرفان يدركان أنّ مراقبي الجامعة العربية أو الأمم المتحدة غير قادرين سوى على التواجد وتسجيل الموقف بأحسن الأحوال. ويدرك المقاتلون اليوم أنّ أروقة المعارضة السياسية في اسطنبول أو غيرها أضحت عاجزة عن وقف الحرب والخروج بحلّ سياسيّ، في جنيف أو غيرها. ويدركون جيّداً أنّ ندوات مراكز الأبحاث لا تفيد سوى في رصد تطوّر تجمّعاتهم وتركيباتها المعقّدة والمتناثرة.
يبقى هناك عامل إيجابيّ في انخراط فصائل المعارضة المقاتلة في العمل السياسيّ. فهذا يعني صعود وعي هذه الفصائل، المأخوذة في معارك محليّة مضنية، لتعقيدات المشهد السوريّ في صورته الإجماليّة بمكوّناته الاجتماعية والسياسيّة المختلفة، وبأنّ نهاية الطريق ـ إذا ما كان هناك حرص على وحدة هذا البلد وشعبه ـ هي التفاوض، أي تسويات سياسيّة واجتماعية. تماماً كما يعي مقاتلو الجيش السوري، وأغلبهم ممّن يؤدّون الخدمة الإلزاميّة، ضرورة التفاوض والتسوية في النهاية.
وناحية إيجابيّة أخرى لهذا الانخراط هي أنّ فصائل المعارضة المقاتلة المعنيّة باتت تتجرّأ على مواجهة التنظيمات الأكثر تطرّفاً، التي يُبعدها حاجز فكرها المتطرّف عن تفاوضٍ قائمٍ على تسويات في سوريا موحّدة. بالمقابل، فإنّ ذهاب السلطة إلى تسوية سياسيّة يعني أنّها ستتواجه مع الميليشيات المتطرّفة الموالية التي استحضرتها لتقاتل بشراسة إلى جانبها.
أخيراً، يعني هذا الانخراط أنّ الدول الإقليميّة التي يخرج المقاتلون عبر حدودها وبإذنٍ من أجهزة أمنها لحضور هذه الاجتماعات، باتت تتلمّس هي ذاتها سبلاً لحلّ سياسيّ خشية الفوضى الشاملة.
هذا المنطق بعيدٌ عن «داعش»، فهي لا تأبه بوحدة أرض سوريا وشعبها، بل بخلافتها المزعومة. برغم ذلك، هناك تفاوض غير سياسيّ تقوم به «داعش» على الدوام حول تزويد ماء وكهرباء السدود التي تسيطر عليها لهذا الطرف أو ذاك، كما أنّ هناك بضاعة تمرّ عبر حواجزها تنتفع من «الخوّة» عليها ليلاً الأطراف نفسها التي تتقاتل نهاراً. وهي تتفاوض كذلك مع أطراف إقليميّة ودوليّة، أكثر منها السوريّة، كما هو الحال مع لبنان لإطلاق العسكريين المختطفين، أو مع غيره لتهريب نفط العراق وسوريا.
في المحصلة، يكتسي انخراط المقاتلين في السياسة أهميّة كبرى. إنّه يردم الهوّة بين الحرب والسياسة ويخلق إمكانيّة للتفاوض والتسويات. إلاّ أنّ ما هو أهمّ وما هو فاصل، هو أن يبقى هذا الانخراط ضمن الحرص الشديد على وحدة أرض سوريا وشعبها، كي لا ينتهي الأمر إلى وضعٍ من التشرذم العام كما هو الحال اليوم في العراق اليوم. وتعني في النهاية تقسيماً وفوضى عبثيّة تكون «داعش» هي المنتصر الوحيد فيها.
على المتقاتلين جميعاً، أي بمَن فيهم السلطة، أن يدركوا أن التسوية التي تحفظ سوريا وطناً، لا يُمكن أن تقوم سوى على ما يخلق مناخاً حياديّاً لمرحلة انتقالية. حياديّاً نعم.
السفير