صفحات العالم

حقائق مهمة في الثورة السورية

محمد الزباخ

من الجائز معرفيا وأخلاقيا أن يقع الخلاف بين الناس بشأن المشكلات الجزئية لأي قضية سياسية ما، لكن يجب ألا يتعدى هذا الخلاف الثوابت الأساسية لهذه القضية، ولا يعقل هنا أن نتذرع بالفلسفة النسبية بغية تمييع الحقائق، بما يتفق مع خيارتنا الإيديولوجية أو البراغماتية، فنحن ممن يؤمن بتصنيف الأفكار إلى أفكار قطعية لا يردها العلماء المنصفون، وأخرى ظنية لا بأس في ردها من منطلق التحلي بالعلم والتخلي عن الهوى. وبناء على هذا التمهيد النظري، وبعيدا عن الروح الطائفية المهلكة، يمكن تحديد ثوابت الثورة السورية كما يلي:

1 نظام بشار الأسد نظام مستبد وطائفي؛ فهو مستبد لكونه لم يسمح بتعددية حقيقية في عوالم الإعلام والسياسة والفكر والدعوة، ومن غرائب ما فعل أنه جعل حكم الإعدام جزاء لكل أحــــد ينتمي للإخـــوان المسلمين، وإذا قيل انه هذب الأمر شيئا ما في دستوره الجديد، فالجواب أن هذا التهــــذيب يظل سخيفا، ما إذا قورن بالوضع الذي تعرفه الدول الغربية، بل أيضا دول الربيع العربي، ثم هو ليس إلا حبرا على ورق، وما سماحه بمعارضة داخلية مدجنة إلا بهدف تكريس شيء من الانقسام بين صفوف الشعب السوري. وأما أنه طائفي، فيكفي أن نعلم أن جل الضباط في الجيش والأمن والمخابرات هم من الطائفة العلوية، ويكفي أن نعلم أيضا أن الذي يناصره بحق هم العلويون وجل شيعة العالم.

صحيح أن نظام الأسد مستقل نسبيا عن الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية، لكنه لم يفعل شيئا لتحرير الجولان، وأكثر من ذلك هو تابع للهيمنة الإيرانية والروسية، بعبارة أخرى هناك دعم إيراني وروسي لهذا النظام، سياسيا وإعلاميا واقتصاديا وعسكريا، مقابل ثمن مكلف يحد كثيرا من سيادة الدولة السورية، أقله ألا تخالف القيادة السورية ثوابت الاستراتيجية السياسية لإيران وروسيا في الشرق الأوسط، من دون أن يكون العكس لازما، هذا عدا عن السماح بنشر المذهب الشيعي بشتى الوسائل بين السوريين، في إطار ما يسمى بالهلال الشيعي. وبعد أن كان الدعم الشيعي لنظام الأسد، ماليا وسياسيا وإعلاميا أول الأمر، تحول هذا الدعم إلى دعم عسكري مباشر.

ولأن نظام الأسد نظام مستبد وفاسد، ومن مظاهر فساده استيلاء رامي مخلوف وفئة من مصاصي الدماء على مقاليد الاقتصاد السوري، فإن هذا النظام يجب أن يسقط، فإن قيل الصبر أفضل لأن هذا الإسقاط شبه مستحيل، وإن أمكن فثمنه مكلف جدا، فالجواب أن هذا الطرح قد يكون له شيء من الوجاهة، حينما كان عدد شهداء الثورة بالمئات فقط، أما وقد وصل عددهم إلى مئة ألف، فإن إسقاط هذا النظام بات خيارا لا مجال للتراجع عنه، خصوصا أنه فقد الكثير من قوته، وكل تراجع عن فكرة الإسقاط فيه فرصة كبرى لأن يرتب هذا النظام أوراقه ويستعيد قوته.

2 حق التظاهر السلمي حق مقدس لا ينبغي المساس به مطلقا، مهما علا سقف مطالبه، بل إن كفالته واجبة، حتى إن تظاهر الناس بإيعاز من جهة خارجية ما دام هذا الإيعاز محصورا في الجانب المعنوي، أما إن كان إيعازا ماديا يتمثل في التدريب أو التسليح أو التمويل، فإنه يجب ألا يتخذ ذريعة للقمع، إلا إذا كان ثبوته مؤكدا، من خلال جهاز القضاء المستقل والعادل. والناظر في مسار الثورة السورية يجدها قد بدأت سلمية، وظلت كذلك عدة شهور، وهذا لا ينفي احتمال وجود أفراد قلائل حملوا السلاح وحرضوا على الفتنة الطائفية، وقد كان الواجب التمييز بين الفريقين؛ فلا يعاقب الثوار السلميون الذين يمثلون الأكثرية بجريرة أفراد قلائل، لكنهم اتخذوا ذريعة لإجهاض الثورة السلمية بشتى الوسائل السلمية. كان يخرج مئات الآلاف من المتظاهرين السلميين في حماة ودير الزور ودرعا وحمص وبانياس وإدلب، وحينما يؤمر الجيش النظامي بدخول هذه المدن تختفي منها المظاهرات، أفليس هذا قمعا؟ أليس ما تعرض له القاشوش وحمزة الخطيب وآلاف مثلهم قمعا؟ أليس منع الإعلام الحر من التغطية الميدانية لوقائع الثورة السورية قمعا؟

3 تنقسم المعارضة السورية السياسية إلى فصيلين كبيرين هما: الإئتلاف الوطني الذي يشكل غالبية المعارضين السياسيين، ويحظى بدعم فئة من الثوار في الداخل، وهيئة التنسيق الوطنية التي تتألف أساسا من اليسار والأكراد وتحظى أحيانا بشيء من احترام القوى الموالية للنظام. وفي الإئتلاف الوطني هناك تيار الإخوان المسلمين المرتبط بالمحور القطري التركي، والتيار الليبرالي المرتبط بالمحور الغربي السعودي. ويمكن أن نلاحظ بشكل واضح أن سبب اختلاف فصائل المعارضة السورية في ما بينها لا يعود فقط إلى العامل الإيديولوجي، ولكن أيضا إلى حب الرئاسة لدى بعض زعمائها ومدى التبعية للمحور الروسي الإيراني أو للمحور الغربي السعودي أو للمحور القطري التركي، علما بأن كثيرا من أفرادها هم رجال وطنيون قدموا تضحيات كبيرة لأجل سورية، لكن ما بينهم من انقسام وصراع أعطى أداء هزيلا على شتى الصعد، زيادة على أنهم فاقدون للعمق الشعبي في كثير من المناطق.

إن قدر الثورة المعارضة السورية أن تتوحد، ولكن وفق ثلاثة ضوابط؛ أولها ضابط التمثيلية، أي أن تضم بشكل عادل كل القوى الفاعلة المؤيدة لسقوط بشار الأسد بكل الوسائل الممكنة، سواء وجدت داخل سورية او خارجها. وثانيها ضابط النزاهة، ومن هنا يجب أن تؤجل تحقيق المكاسب السياسية إلى ما بعد سقوط بشار الأسد، وفقط من خلال صناديق الاقتراع. وثالثها ضابط الفعالية، وهذا يقتضي بذل الوسع بذكاء متجدد طلبا لتحصيل الدعم الشامل للثوار في الميدان، ومن ثم تحسين شروط التفاوض مع النظام لو كان ذلك في صالح الشعب السوري.

4 بسبب القمع الشديد، كان أمام الثورة السورية خياران اثنان لا ثالث لهما؛ فإما استسلام الثوار لشروط النظام، أي الرضا بإصلاحات ديكورية لا تسمن ولا تغني من جوع، وذلك لأن إيران بالذات لن تسمح لنظام الأسد بأن يتخلى عن جوهر السلطة، فهذا خط أحمر لن تتنازل عنه قدر الإمكان، ومن هذا المنطلق يكون التصور الذي تتبناه هيئة التنسيق الوطنية وأصحابه مضحكا ومبكيا في نفس الآن. أما الخيار الثاني فهو عسكرة الثورة، وهذا ما حصل فعلا، حيث انشق عدد كبير من أفراد الجيش السوري النظامي من كل الرتب العسكرية، وقد انشق بعض هؤلاء لأسباب مبدئية وآخرون لأسباب مصلحية وفرقة ثالثة لاختراق الثوار. وعموما تحول كثير من العسكريين المنشقين والثوار المدنيين إلى مقاتلين، وشكلوا لأجل ذلك مجموعات مسلحة تنضوي الآن في عدة كيانات كبرى، ويمكن أن نميز بين ثلاث فئات داخل هذه الكيانات؛ أولها الجيش الحر بقيادة سليم إدريس، ويغلب على هذه الفئة التوجه الوطني، رغم ارتباطه بجهات ذات توجهات إسلامية معتدلة مثل لواء التوحيد المسيطر على حلب وكتائب الفاروق النافذة في حمص، ويحظى الجيش الحر عموما بشيء من الرضا الغربي السعودي، وله تنسيق مع الائتلاف الوطني. وثانيها فئة الإسلاميين السلفيين، مثل أحرار الشام وصقور الشام وألوية الفرقان. وثالث هذه الفئات هي جبهة النصرة التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة، والتي تضم بين صفوفها بعض المقاتلين الأجانب. إن مصير الثورة السورية سيغير مسار التاريخ بكل تأكيد؛ فمن الناحية الاستراتيجية المتوسطة المدى نرجح أن نجاحها يعني نجاح الربيع العربي في كل الدول العربية، وبالتالي قيام ولايات متحدة عربية متحالفة مع تركيا. وفشلها يعني نجاح المشروع الإيراني، وبالتالي تحول الهلال الشيعي إلى دائرة شيعية.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى