بكر صدقيصفحات سورية

سمك.. لبن.. تمر هندي..

بكر صدقي

لنفترض جدلاً أن قدري جميل وعلي حيدر شكلا فعلاً “ألوية المقاومة الشعبية لتحرير الجولان” كما أعلن الأول، بعدما سمح لهما سيدهما بشار بذلك بعد أربعين عاماً من المنع. سنكون أمام مشهد عجيب، ربما هو ما تصبو إليه دمى النظام الآيل للسقوط: مقاتلون يحاولون الوصول إلى المنطقة المحاذية للحدود السورية – الإسرائيلية للبدء بمعركة “تحرير” الجولان المنسي، يواجههم مقاتلو كتائب الجيش الحر الموجودة هناك منذ أشهر، بعدما انسحبت قوات النظام باتجاه ريف دمشق للدفاع عن العاصمة. بصورة لا مفر منها سيشتبك الطرفان في قتال ضارٍ تحت أنف القوات الإسرائيلية التي ستراقب المعركة “بحذر وتأهب”.

سيعلو صراخ أبواق النظام، بمن فيهم اللبناني حسن: “ها هم مسلحو ما يسمى بالجيش الحر يمنعون أبطال المقاومة من تحرير الجولان! ألم نقل لكم من البداية إن معارضي نظام بشار الممانع هم عملاء لإسرائيل؟

ألم نقل لكم من البداية إن ما يسمى بالثورة السورية ما هي إلا مؤامرة امبريالية تستهدف الدور الممانع لسورية الأسد؟”

هذا ليس كلاماً افتراضياً، بل قيل كثيراً، بطريقة أو بأخرى، طيلة عامي الثورة، ويشبه في بنيته الدلالية كلاماً مماثلاً عن “الإصلاحات” الداخلية. فلطالما كرر رأس نظام “التطوير والتحديث” القول إن الإصلاحات التي أراد تطبيقها تأخرت بسبب عديد المؤامرات التي استهدفته كاحتلال العراق واغتيال رفيق الحريري وانشقاق عبد الحليم خدام وغيرها من الأحداث الجسام. المفارقة هي أن المؤامرة الحقيقية الوحيدة ضده، أعني الثورة السورية، لم تؤخره عن تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها منذ انتخبه أبوه بالإجماع لرئاسة الجمهورية من بعده لدورتين متتاليتين. على العكس تماماً: ما إن انطلقت المؤامرة الكونية الكبرى ضده حتى شمر عن ساعديه بهمة عالية، فغيّر الدستور مرتين في زمن قياسي، وأقال حكومات وأنشأ أخرى مكانها، وأصدر قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات، وأدخل المعارضة “الوطنية” في الحكومة الأخيرة ممثلة بجبهة المقاومة الشعبية للتحرير والتغيير بقيادة الثنائي المذكور قدري إبراهيم باشا جميل وعلي حيدر. وأطلق سراح مئات العملاء والمتآمرين من السجون والمعتقلات بقوانين عفو عديدة أصدرها، فيما قواته تطارد الإرهابيين في كل شبر من الأراضي السورية. وكيف لنا أن ننسى أنه بدأ إصلاحاته بحل مشكلة مزمنة هي المشكلة الكردية على دفعتين؟ فقد أعاد الجنسية لعشرات آلاف الكرد الذين حرموا منها منذ خمسين عاماً، ثم انسحب من “غربي كردستان” وسلم السلطة فيها لحزب الاتحاد الديموقراطي- الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.

وها هو، بعدما أنجز كل تلك الإصلاحات بسرعة قياسية وعصا سحرية، ينتقل من الإصلاح إلى التحرير. هذه المهمة المؤجلة منذ العام 1973، وضعها على الطاولة فجأة بعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق. هكذا هو نهج بشار: حين يكون الداخل معقماً من أي جرثومة معارضة، يتلكأ في إصلاحاته الموعودة، وحين يتمرد عليه هذا الداخل ينجز إصلاحاته المتأخرة بسرعة البرق. ولا يتخذ قراره بالتحرير إلا حين يفقد السيطرة طوعاً على الحدود مع إسرائيل.

بصمة سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى