صفحات الناس

سهيل الحسن: ريفي بسيط بات قاتلاً باسم الأسد/ مكسيم عثمان

 

 

لم تكن المزاعم التي صدرت عن صحيفة لوموند الفرنسية عن سهيل الحسن، بوصفه خليفة محتملاً لبشار الأسد صحيحة البتة. ويبدو أن الفقاعة الإعلامية للحسن المنتشرة في سوريا، رُصدت عالمياً بشكل خاطئ، دون فهم حقيقي لقدرة النظام على تحويل عناصره لأبطال حين يشاء، وإزاحتهم في وقتٍ آخر.

فرغم اصطحاب الأسد سهيل الحسن أثناء لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القاعدة الجوية الروسية في الساحل السوري قبل أسابيع، وبرغم درجات التسامح مع تكوين الحسن شهرة ومتابعة عبر الصفحات الاجتماعية، إلا أن استثناء شخصية الحسن، هو ما سمح له في الوصول إلى ما هو عليه وليس أهميته.

ليس سهيل الحسن قائداً عسكرياً كبيراً كما هو شائع، وليس من المنطقي أن يكون الرجل خريج الأكاديمية الجوية، وخادماً في وقت لاحق في وحدات الدفاع الجوي، ومن ثم عاملاً في المخابرات الجوية، بطلاً في الحروب البرية، فهذا لا ينسجم مع المنطق العسكري. ومن يتابع أحاديث الحسن عبر يوتيوب، ستساوره شكوكٌ في حقيقة ما يشاع عن كفاءاته العسكرية. من المرجح أن دافعاً خلف قرار النظام بتقديم الرجل بصفته نجماً على رغم أنه فقير الثقافة واللغة لا بل ربما بسببهما.

ينتمي الحسن الى الطائفة العلوية وهو من ريف جبلة، أحد أكثر المناطق المنغلقة طائفياً. والحسن وخلافاً لنخبة ضباط الأسد التي لقت حتفها في الحرب، لا يملك أي سمات أنانية أو جشعة، فالشخصية البسيطة والتي لم يعرف عنها استغلال للسلطة في حيازة الأموال، أو التسلط على الناس قبل الثورة، وهبت نفسها بشراهة للقتال وللقتل مع النظام، مع استعدادٍ للموت دون أي مقابل.

الحسن متحفظ دينياً، ويملك علاقة شخصية قوية مع المشايخ العلويين، والذين حرصوا على تمجيد قوته وإخلاصه في القتال. والحسن لا يُخفي تملقه للنظام، بل رفض في إحدى استعراضاته الاحتفالية بالنصر، ذكر سوريا الوطن على حساب الأسد، والذي يصفه الحسن حسب فيديو انتشر له، ” بشار الأسد هو الوطن”.

ليس الحسن شخصية مركبة بل هو أقرب إلى السذاجة أحياناً. يظهر دائماً كشخصية بسيطة يُعبر عن وعيه بما يريد ويفعل. من هذا المنطلق لا يخشى النظام من طغيان شخصيته أو شهرتها.

استطاع الحسن بحكم علاقته مع المشايخ العلويين التعبير عن العقيدة العلوية بوجهها العسكري، ورغم أن العلويين لم يُشكلوا مليشيا طائفية عقائدية، إلا أن أمثال الحسن استطاعوا ملء هذا الفراغ، فريفية الحسن وبساطته جعلت المشايخ يشيعون أخباره وكأنه فارسٌ علوي في القرن العاشر. هذه التلميحات التاريخية عنه تُسمع في المآتم العلوية، فيكرر وجهاء وشيوخ الطائفة، أن الانضمام لكتيبة الحسن هو الانضمام للخير والصدق والدين.

لا شك أن هذا التميز استغله النظام، حيث استثمر في شغف الحسن في أن يكون جندياً كلاسيكياً لا يخرج عن طوع وإرادة قائده، وهذا ينسجم مع ما يسميه هيجل، وعي الجندي القروسطي الذي لا يستطيع إلا أن يعبد الملك كإله.

في عام 2014 كان النظام مأزوماً ومحاصراً أمام طغيان الموت الذي أصاب كبار ضباطه، وخوفه المزدوج من الضباط ومحاولاتهم في تضخيم أدوارهم، وقلقه من انفكاك الطائفة العلوية عنه نتيجة تزايد الضحايا، فكان ظهور الحسن مخرجاً لأبناء الطائفة وللنظام في آن معاً. فالحسن شخصية علوية قيادية لا مطامح لها سوى تكريس ما حاول العلويون الابتعاد عنه، أي السير وراء الأسد دون أي خيار آخر. وكان ظهور الحسن محورياً في اقتياد شباب الطائفة العلوية من جديد خلفه بلا سؤال، وقلما يسمح النظام للمشايخ العلويين بدعم شخصية عسكرية أو سياسية لهذا الحد، إلا أن بساطة الحسن وعبودية الفارس التي يُشهرها كلما سنحت له الفرصة، جعلته في مأمنٍ تام في عين النظام. فالحسن لا يوفّر فرصة لتقديس الأسد الأب والابن، أو حتى في تحفيز أبناء الطائفة العلوية للالتحاق به والقتال في سبيل قضيته.

يشيع قولٌ في الساحل بين العائلات العلوية كنوع من المفاخرة : ” ابننا يقاتل مع النمر الحسن”، وذلك لتأكيد “أخلاقوية” ما في وجه ضباط الأسد الآخرين، وحتى في وجه النظام نفسه، من خلال وجود حافزٍ غير فاسد وأخلاقي يدفعهم للقتال والتضحية، ولا يداري الحسن نفسه فيكون في الصفوف الأمامية  دوماً، دون أدنى خوف. ساهم هذا في تقديم الحسن بين العلويين بصفته بطلاً مقداماً مضحياً، خاصة وأنه يُشبه العامة من اهل الريف العلويين، وقد يُشبه حافظ الأسد نفسه، خلافاً للأسد الابن المستعلي المحاط بابن خالته المترف الثري، وضباطه الفاسدين. هذا كله جعل من الحسن بمثابة تعويض عن فراغ سببه غياب الأسد الابن عن الطائفة، فالجندي القروسطي يغطي على حضور الأسد، خاصةً أن الحسن استطاع حلّ المعضلة التي يخشاها العلويون دوماً، أي تزخيم الوازع الديني في السلطة.

يُشكل الحسن حالة جوهرية في طبيعة تفكير النظام الجديدة، عبر جعل الرموز تتجدد، وتتحول لقبة الميزان، فتراعي خوف مجتمعٍ كامل، وتصالح رأس النظام ومن حوله، بطائفة تضطر لتلاقي النظام، أن تقترب منه عبر شخصية الحسن. ولا يُصدق الكثير من الضباط مهارة الحسن، الذي لا يدخل أي معركة دون أن تقول الطائرات كلمتها العليا. عملياً، لا يُمكن اعتبار الحسن شخصية عسكرية فذة، فهو يطبق نظرية الأرض المحروقة، والتي توازي الطرق المتخلفة في القتال، فما يُمكن اعتباره فذاً هو قدرة العسكري على الحفاظ على الأرواح المدنية والبيوت والأراضي الزراعية ومن ثم تحقيق الانتصار. ليس الحسن سوى ما سمح له النظام به، أي الظهور كممثل معنوي، وكقاتل بلا حدود، يداعب مشاعر طائفة، تبحث عن فارسٍ له خلفية ريفية ودينية بسيطة.

درج

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى