سوريا: أزمة الغذاء تكسر المعادلات/ سلام السعدي
تشهد المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، ارتفاعاً حاداً في أسعار المنتجات الحيوانية، من لحوم على اختلاف أنواعها، إلى المنتجات الأخرى كالألبان والاجبان. إذ يباع كيلو لحم العجل بنحو 1500 ليرة في دمشق، إلا أن المنتجات ذاتها تشهد انخفاضاً في السعر ليراوح بين 500-700 ليرة في العديد من مناطق ريف دمشق المحررة. وفيما تشير المعادلات الإقتصادية إلى أن انخفاض سعر المنتج في ظل استقرار الطلب يعني وفرة العرض وازدهار القطاع الإنتاجي، إلا أن الواقع السوري يكسر منطق المعادلات، ليصبح انخفاض سعر المنتجات الحيوانية يدل على موت بطيء لقطاع الثروة الحيوانية في سوريا، ويصبح مؤشراً لأزمة غذائية ضخمة.
عامان متواصلان من الحرب الطاحنة، خصوصاً في المناطق الريفية في سوريا، كان لهما الأثر المدمر على قطاعي الزراعي وتربية الحيوانات. فالمراعي التي لم تحرقها نار المعارك والقصف، توقفت عن العمل بفعل حصارها بالثكنات والطرق العسكرية. هكذا تضاءلت مساحات الكلأ الموجودة في الأرياف، والتي شكلت جزءاً مهماً من حاجة الثروة الحيوانية للمادة العلفية.
وفيما تراجع الإنتاج الزراعي على وجه العموم، وانحسرت تالياً بقايا المحاصيل التي تشكل علفاً للحيوان، ارتفعت أسعار العلف بشكل جنوني، وقفز سعر كيس العلف الذي كان يباع بـ 600 ليرة، إلى 2300 ليرة سورية. وبالرغم من أن المؤسسة العامة للأعلاف اعتادت على أن تقوم بتوزيع المواد العلفية بأسعارٍ تقل عن سعر السوق، غير أنها توقفت عن توزيعها على نطاق واسع، كما عجزت عن كبح جماح الأسعار الآخذة في الإرتفاع في الأسواق السورية. إلى ذلك، تضم المدن التي تعرضت إلى دمار شديد عدداً كبيراً من جمعيات تربية وتسمين الحيوان وتحسين المراعي التي تقدم خدمات حيوية للمزارعين. إذ تضم حلب 1065 جمعية، حمص 645، ادلب 486، الرقة 489، ريف دمشق 340، دير الزور 251، وتشكل تلك الجمعيات التي خرجت عن الخدمة نحو 60 في المئة من المجموع الكلي للجمعيات.
في ظل هذا الدمار، وجد مربو الماشية أنفسهم عاجزين عن تأمين العلف لقطعانهم، ليضطروا إلى تقليص أعدادها من خلال بيعها أو ذبحها للاستفادة من لحمها. وهو ما أدى إلى وفرة العرض من اللحوم وبالتالي إلى انخفاض الأسعار، بالتزامن مع الحصار المفروض على الأرياف وتعذر نقلها بكميات كبيرة إلى أسواق المدن. البعض فقط، ممن يصارعون من اجل البقاء، استطاعوا تأمين العلف ذاتياً، وذلك بزراعة حقول متواضعة، وجني مخلفات المحاصيل الزراعية. وهذا ما يؤكده تقرير منظـمة الأغذية والزراعة “فاو”، الصادر في تموز الماضي، إذ يشير إلى أن قطاع الإنتاج الحيواني في سوريا قد “أستُنفِد بفعل الصراع المستمر”. ويضيف أن “إنتاج الدواجن من المقدَّر أنه تراجع بأكثر من 50 في المئة مقارنة مع العام 2011، بينما هبطت أعداد الماشية والخراف بحدة”. كما لفت التقرير إلى انه “ومع الشَح الخطير في لقاحات التطعيم الحيواني، ثمة خطر جدّي من أن تنتقل الأمراض الحيوانية إلى البُلدان المجاورة”.
وقطاع الإنتاج الحيواني يرتبط بسلسلة إنتاجية واسعة، فهو يشكل 35 في المئة من إجمالي الإنتاج الزراعي، ونحو 18 في المئة من قيمة الصادرات الزراعية. وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة الدولية، تطورت قيمة الثروة الحيوانية السورية من نحو 975 مليون دولار العام 1975 إلى نحو 2.8 مليار دولار العام 2007. فيما توثق المجموعة الإحصائية للعام 2011 أعداد الثروة الحيوانية في سوريا كالتالي: 1.1 مليون بقرة، رؤوس الأغنام 18 مليونا، الماعز 2.2 مليون، الإبل 45 ألفاً، الجاموس 7 آلاف، والحيوانات الخيليَّة 115 ألف حيوان خيلي. وتعمد سوريا إلى تصدير جزء من ثروتها الحيوانية الحية، خصوصاً الأغنام، إلى دول الخليج العربي، لتستورد اللحوم الجاهزة. هكذا تم تصدير حيوانات حية في العام 2010 بما قيمته 10 مليارات ليرة، واستيراد لحوم جاهزة بقيمة 1.5 مليار ليرة… بالإجمال، كان قطاع الثروة الحيوانية السورية آخذاً بالنهوض، مع نمو الإنتاج الحيواني أفقياً بزيادة الأعداد، وعمودياً بزيادة الإنتاجية.
كما يشغل قطاع الثروة الحيوانية نحو 15 في المئة من إجمالي اليد العاملة في سورية، ويعتمد العديد من الأسر الريفية بصورة تامة في معيشتها على هذا القطاع، وهي تواجه اليوم مصيراً بائساً. إذ تحدثت تقارير دولية أخيراً عن حاجة نحو 375 ألف أسرة ريفية تشكل ثلث سكان الريف السوري إلى دعم المحاصيل والثروة الحيوانية. ومع تدهور الظروف الأمنية والاقتصادية وتوسع رقعة الحرب، من المرجح أن الغالبية الساحقة من سكان المناطق الريفية قد فقدت بشكل كلي أو جزئي موارد رزقها القائمة على الثروة الحيوانية.