صفحات العالم

سوريا إلى فصول “اللبننة” في الحرب


المخاوف من جذب الراديكاليين إلى اتساع

    روزانا بومنصف

على رغم الاشارات التي اشاعها ديبلوماسيون غربيون عن بعض التغيير في الموقف الروسي من الموضوع السوري بحيث يعول هؤلاء على اجتماعات تعقد على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة من اجل الدفع قدما بهذه الاشارات، فان مصادر ديبلوماسية في بيروت تكشف ان الامور قد لا تكون تغيرت بالمقدار الذي يطمح اليه داعمو التغيير في سوريا. اذ ليس في المواقف المعلنة لمسؤولين روس في الاسابيع الاخيرة من الوضع السوري ما يؤكد ذلك بل ان احاديث مباشرة معهم تصب في خانة تعزيز الاقتناع بأن الامور لا تزال على حالها من دون اي تغيير ولو طفيف على عكس الانطباع الذي يشيعه الغربيون احيانا ربما لاحراج الروس او لاهداف اخرى. فالمخاوف التي يبديها الروس من التغيير في سوريا تبقى مستندة الى معطيات تتحدث عن امتلاك روسيا تقارير استخباراتية عن الوضع السوري تفيد بأن ما يجري هناك اصبح يشكل نوعا من المغناطيس الجاذب للاسلاميين المتطرفين من العراق وليبيا وافغانستان ودول اخرى. ومع ان عدد هؤلاء ليس كبيرا حتى الآن وانهم دخلوا على خط المعارضة السورية ومشاركتها مواجهة النظام لاجندتها الخاصة على الارجح، فان المخاوف من ان يكبر هذا العدد مع الوقت فيصبح لا يستهان به. وتقول هذه المصادر ان هذا الواقع يساهم في ابقاء الوضع في سوريا على حاله من دون المخاطرة باجراء التغيير المطلوب في النظام خوفا من الاسلاميين وسيطرتهم على الوضع السوري وقد ساهمت التظاهرات التي جرت كرد فعل على نشر فيلم مسيء للاسلام في تعزيز وجهة النظر هذه مع رفع اعلام تنظيم القاعدة في بعض الدول. وهذه المخاوف تطاول ايضا الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة المشجعة على عكس روسيا على تنحي الرئيس السوري وانهاء الوضع القائم من اجل الحد من تدهور الوضع السوري ميدانيا على صعد عدة.

وهذا الاقتناع اي تحول سوريا جاذبا للاسلاميين كان مثار جدل على ما يبدو مع الدول الداعمة للنظام حول ما اذا كان بقاء الرئيس السوري وقيادته حربا على مواطنيه من دون قدرة على حسمها لمصلحته على رغم المساعدات التي يتلقاها في ما بات يزيد على سنة ونصف من عمر الثورة السورية يساعد في لجم تدفق الاسلاميين الى سوريا او ان استمرار تدهور الوضع وعجز النظام عن فرض سيطرته يشجع على المزيد من تدفق هؤلاء لا بل زيادة سلطتهم وانتشارهم بما قد يجعل صعبا لاحقا السيطرة عليهم. فثمة اقرار متزايد بأن النظام حتى لو بقي في موقعه لوقت طويل لاعتبارات تتصل بالمظلة الحامية له سياسيا من روسيا وايران وعمليا من خلال المساعدات الايرانية العسكرية وسواها فضلا عن عجز المعارضة عن اطاحته عسكريا فانه اضحى عاجزا عن ان يستعيد نفوذه وسيطرته على الارض. وهذا الانهيار سمح وسيسمح بدخول الاسلاميين الراديكاليين على الخط من دون قدرة على وقفهم بحيث انه كلما ضعف النظام وسيطرته على الارض كلما زاد احتمال تحول سوريا الى ارض متاحة لكل التدخلات. وهذا ما بات مرجحا مع مراوحة الوضع على حاله بل اصبح مؤكدا راهنا وعلى عكس الانطباعات التي سادت بعد بضعة اشهر من بدء الثورة في آذار 2011 من ان بقاء الاسد هو مسألة اشهر، وان الوضع في سوريا بات اقرب الى ما شهدته الحرب في لبنان من فصول ومراحل كان آخرها الاقتراح الايراني بايفاد مراقبين من دول الرباعية الاقليمية اي ايران وتركيا ومصر والمملكة العربية السعودية الى سوريا من اجل مراقبة وقف النار المقترح بين السلطة والمعارضة. اذ انه اقتراح مماثل لارسال قوات الردع العربية الى لبنان والتي شاركت فيها سوريا لسنوات طويلة قبل ان تغدو منفردة فيها. والتوقعات حول الوضع السوري راهنا تصب في خانة انه قد يستمر سنوات مثلما استمرت الحرب في لبنان وان لا شيء يبدو محتملا في المدى المنظور لا على صعيد الحسم العسكري من اي من الجانبين لا من جانب النظام لعدم قدرته على ذلك علما ان لا مؤشرات على انهياره سريعا وقريبا جدا ولا من المعارضة ايضا لعجزها على تحقيق انتصارات كبيرة، ولا على صعيد ايجاد حل سياسي للازمة وفق ما ظهرت مساعي الاخضر الابرهيمي في الايام العشرة الاخيرة ما لم تحصل مفاجأة ما قد تساهم في “صحوة” ما لدى الدول الغربية من اجل التدخل لحسم الوضع او الاتفاق على مخرج سياسي.

 ويضاف الى ذلك ان استمرار النظام عاجزا عن استعادة السيطرة سيؤدي الى اضعافه اكثر فاكثر مما قد يفقد المفاوضين الداعمين له اوراقا قوية لا يزالون يتمتعون بها حتى الآن في حين انهم قد يفقدونها متى حان زمن التفاوض على رأس النظام، وهو سيحين عاجلا ام آجلا وفق ما يتفق على ذلك غالبية متابعي الوضع في سوريا حتى لو استمر بضعة اشهر اضافية او حتى بضع سنوات. ويبدو ان لا اجوبة صريحة وواضحة لدى الافرقاء المعنيين اي الدول الحليفة للنظام السوري وان كانت تستمر تستخدم احتمال وصول الاسلاميين ذريعة من اجل رفض التغيير في سوريا في ظل اتساع الشرخ بينها وبين الدول العربية في الوقت نفسه بسبب دعمها الرئيس السوري وتذرعها في هذا الشأن ان الدول العربية لا تفهم موقفها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى