صفحات العالم

سوريا… ومخاطر الحرب بالوكالة/ دويل مكمانوس

كانت أول حرب أغطيها كمراسل أجنبي هي الحرب الأهلية في لبنان، وعندما بدأ ذلك الصراع عام 1975 لم يعدو كونه مجرد سلسلة من المناوشات الشرسة، التي تمثل حرباً محدودة للسيطرة على دولة صغيرة.

لكن ما لبثت أن تدخلت دول أخرى، مثل سوريا والعراق وليبيا وإسرائيل، فقدمت الأموال والسلاح إلى الفصائل التي تدعمها، وبذلك تحول الصراع الداخلي إلى حرب بالوكالة أكثر دموية وأطول أمداً، خاضت فيها قوى خارجية معارك مستخدمة «أكباش فداء».

وفي النهاية، أرسلت الولايات المتحدة قواتها، الأمر الذي تسبب في مقتل 241 أميركياً في تفجير وقع عام 1983، غير أن ذلك الصراع الذي بدأ قبل نحو أربعة عقود لم ينته أبداً، وهو ما يعزو بشكل كبير إلى استغلاله من قبل قوى خارجية كميدان حرب بالوكالة.

وفي الوقت الراهن، لا يزال الشارع اللبناني يناضل، ولا تكاد تفجيرات السيارات المفخخة المستمرة تمثل سوى جزء صغير من حرب بالوكالة متفاقمة تمتد شظاياها إلى خارج الحدود لتنال سوريا والعراق من بين دول أخرى.

وفي حين سعت دول إقليمية إلى الهيمنة على مجريات الأمور في الشرق الأوسط، تختار دول أخرى النأي بنفسها، أو تحاول جاهدة حماية حدودها من انتشار الصراع، بينما تشعر الولايات المتحدة بالقلق في خضم هذه المعارك.

والحرب بالوكالة ليست أمراً جديداً، ففي عام 1776، استغلت كل من بريطانيا وفرنسا، القوتان العظميان آنذاك، الثورة الأميركية كحرب بالوكالة، ومن دون تدخل البحرية الفرنسية إلى جانب الولايات المتحدة في معركة خليج تشيزابيك الأميركي، كان من المستبعد أن تنتصر واشنطن في معركة «يوركتاون».

وفي ثلاثينيات القرن الماضي، تحولت الحرب الأهلية الإسبانية إلى حرب بالوكالة بين هتلر وستالين، كما كانت الحرب الباردة التي امتدت نحو نصف قرن بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق عبارة عن سلسلة حروب بالوكالة وصراعات اليد الطولى بين القوتين النوويتين اللتين تكادا لم تصطدما بصورة مباشرة.

وفي غضون ذلك، لا تعني حقيقة أن الحروب بالوكالة تحدث غالباً في دول صغيرة أنها تُسبب تدميراً أقل من الصراعات الأخرى، وعلى النقيض من ذلك، تمزق الحروب بالوكالة الدول التي تحدث فيها، حسبما يرى «فالي ناصر» المسؤول السابق في إدارة أوباما، والذي يشغل الآن منصب عميد كلية الدراسات الدولية المتطورة في جامعة «جونز هوبكنز».

وعندما تتدخل القوى الكبرى في صراع محلي ليتحول إلى حرب بالوكالة، يكون لذلك تأثيرات ثلاثة مخيفة.

فهي تجعل الحرب أكثر تدميراً بضخ أسلحة متطورة أكثر من تلك التي كانت موجودة، وعادة ما تكون الحرب أطول، إذ تُمكّن كلا الجانبين من الاستمرار في القتال إلى أجل غير مسمى، وتتسبب في انتشار تأثيرات الصراع إلى الدول المجاورة، بما في ذلك أزمات اللاجئين والتدفق المتزايد للأسلحة وتجنيد وتدريب المتمردين.

وفي عام1979، عندما بدأت الولايات المتحدة دعم المجاهدين في أفغانستان في حرب بالوكالة مع الاتحاد السوفييتي السابق، بدت هذه الخطوة سبيلاً تقليدياً للتحرش بخصمها في الحرب الباردة، غير أن الآثار الجانبية، بما في ذلك نهوض تنظيم «القاعدة» و«طالبان» والحرب الأهلية في أفغانستان، لم تنته بعد.

وفي الوقت الراهن، تورطت أجزاء كثيرة بالشرق الأوسط، ودخلت في براثن الحرب الأهلية، أو التمرد والاضطرابات.

وعلى صعيد الحالة السورية، بدأت ثورة عام 2011 كانتفاضة محلية ضد القمع، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع طائفي بين المعارضة السُنية والنظام العلوي، وحرب جيوسياسية بالوكالة، إذ ضخت إيران ـ الحليف الرئيس لنظام بشار الأسد ـ الأسلحة والمستشارين العسكريين إلى دمشق.

وأرسل «حزب الله» اللبناني قوات مقاتلة تتمتع بالخبرة القتالية من أجل مساعدة النظام السوري.

وفي هذه الأثناء ترددت إدارة أوباما في تقديم مساعدات عسكرية إلى الثوار، ما حدا بدول إقليمية أخرى التدخل لدعمهم، وبدوره أقدم نظام الأسد، الذي يحارب من أجل بقائه، على تفجير مناطق مدنية بقصفها من الجو.

ونتيجة لذلك، تتجه الحرب الدائرة الآن على الأرجح إلى الاستمرار لفترة أطول، وقتل مزيد من المدنيين ونشر تأثيرات الصراع إلى دول الجوار بدرجة أكبر من ذي قبل.

وفي حين تأمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة في تدشين مؤتمر السلام من أجل سوريا في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، لكن لا أحد يتوقع نتائج سريعة.

و يبحث المسؤولون الأميركيون عن سبل لوقف انتشار الصراع، غير أن ذلك مشروط بعدم التدخل العسكري المباشر الذي رفضته إدارة أوباما بشكل متكرر.

غير أن المسؤول السابق في إدارة أوباما فالي ناصر أخبرني «بأن الحرب وصلت إلى مرحلة أصبح من المستحيل أن تتجاهلها الولايات المتحدة»، مضيفاً «لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونقول إنها حرب بالوكالة خارجة عن السيطرة».

ولا يتعين على الولايات المتحدة أن ترسل قوات إلى كل صراع، مثلما أوضح أحد مساعدي البيت الأبيض الأسبوع الماضي، لكن لا يمكنها أيضاً أن تتجاهل انتشار الحروب بالوكالة.

وكان الرئيس أوباما قال إنه يود تقليص اهتمامه بالشرق الأوسط، لكن ليس هذا هو الوقت المناسب لفعل ذلك.

محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي انترناشونال»

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى