صفحات العالم

“سوريا الأسد” انتهت!


علي حماده

على رغم كون التقرير الذي تقدم به الفريق احمد مصطفى الدابي، رئيس فريق المراقبين العرب في سوريا، جاء “ملغوماً” بمعطيات فيها الكثير من تحريف الحقيقة، والانحياز الى روايات النظام في سوريا، فإن الجامعة العربية قد أدركت نواقص التقرير وشوائبه الفاضحة وخرجت بموقف سياسي من الأزمة السورية، وبرسالة شديدة القسوة تجاه بشار الاسد شخصيا. فالمبادرة رقم 2 التي انطلقت يوم الاحد الماضي وتستنسخ الحل اليمني الذي أدى الى خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد 32 عاما في الحكم، تستهدف أساساً الاعلان عن وفاة “جمهورية حافظ الأسد”، من خلال دعوة وارثه بشار الأسد الى التنحي. معنى هذا بكل بساطة ان لا “سوريا الأسد” بعد اليوم. وقد نزع النظام العربي الرسمي عن ابنه بشار ونظامه البقية الباقية من الشرعية، بالرغم من ان المبادرة تضمنت مرحلة انتقالية ترجمتها قيام حكومة وحدة وطنية تتشارك فيها المعارضة مع مفاصل النظام. ولكن المرحلة الانتقالية تفضي الى تغيير جوهري في المعالجة السورية، وفي النهاية يتم تفكيك منظومة حافظ الأسد.

يكتشف الناظر الى عناصر المبادرة العربية رقم 2 ان الدعوة الى تحويل صلاحيات الرئيس الى نائبه الاول (فاروق الشرع)، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تنطوي على جهد كبير لإبقاء الأبواب مفتوحة أمام من يرغب من أركان النظام في القفز من مركب آل الأسد الغارق، وتعجيل وتيرة السقوط الحتمي لـ”جمهورية حافظ الأسد”. وبذلك يتم اختصار المعاناة في سوريا، وخفض الكلفة الدموية والسياسية والمعنوية والاقتصادية. انها دعوة صريحة للانشقاق عن الحلقة الضيقة المقررة في النظام. وتأتي هذه الدعوة مع تواتر الكثير من الأخبار الآتية من دمشق وحلب، ومفادها ان الحلقة تضيق يوماً بعد يوم حول بشار وبطانته.

لقد فوجئ بشار بعد أيام قليلة على تهجمه على الجامعة العربية في خطابه الرابع، بأن الجامعة العربية خرجت بموقف اتسم بالإجماع ضد النظام (ما عدا حكومة القتلة في بيروت)، ومعاً يتوجه العرب الى نيويورك لمخاطبة المجتمع الدولي ودفع مجلس الأمن الى اعتماد المبادرة العربية رقم 2.

لقد سقطت شرعية بشار العربية والدولية (عدا روسيا والصين)، وأمام الثورة في الداخل هوامش كبيرة للتحرك والتوسع، فيما تتقلص هوامش النظام كثيراً، فلا يملك وزير خارجيته إلا أن يقول إن الحل الأمني مطلب شعبي وجماهيري! لقد انتهى وقت الحوار والحلول السياسية مع “سوريا الأسد”، وبدأت مرحلة تصفية ما تبقى من هذا السجن الكبير.

إزاء هذا الواقع، ما العمل في لبنان؟ بكل صراحة، لا بد للقوى الاستقلالية ان تقوم ببلورة مشروع سياسي لمرحلة ما بعد “سوريا الأسد”. فالتداعيات المقبلة هائلة، ولبنان ما قبل سقوط النظام لن يكون كما بعده.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى