سوريا الأسد بلا أسد…..النهاية الحتمية
مستقبل سوريا سيقرره الصراع المسلح، وليس المفاوضات. في بعض مناطق البلاد بدأت بالفعل مرحلة ما بعد الأسد. لكن يجب على المعارضة السورية التحضير لاستلام السلطة، ولذلك فهي بحاجة إلى دعم خارجي، وفق ما تراه الخبيرة الألمانية في الشؤون السورية كريستين هيلبيرغ.
الحرب في سوريا لم تأخذ وحدها منعطفاً مصيرياً الأسبوع الماضي، بل وحياة الرئيس بشار الأسد أيضاً. فقد كان يظن، هو والموالون له، أنهم في قلب العاصمة دمشق بمأمن من المعارك، التي كانت رحاها تدور في مدينة حمص البعيدة. لكنه بات يخشى على حياته الآن، لأن الهجوم الذي استهدف خلية إدارة الأزمات، والذي أدى إلى مقتل أربعة من أقرب مساعدي الأسد، أصاب قيادة النظام في مقتل وهز أركانه بشكل دائم.
على الأسد الآن اتخاذ قرار – إما القتال حتى النهاية والمجازفة بمصير يشبه مصير القذافي، أو الهرب وعائلته في الدقيقة الأخيرة على متن طائرة إلى روسيا أو إيران. من الثابت أن ذهاب الأسد هو الفرصة الوحيدة لإنهاء الصراع بسرعة. لكن طالما ظل الأسد مصراً على القتال ومختبئاً في مكان آمن داخل البلاد، ستستمر الحرب الشرسة والدموية بين النظام والثوار. المناطق والأحياء تارة تحتلها قوات المعارضة، وتارة قوات النظام – أسلحة ثقيلة في مواجهة حرب العصابات، والمدنيون هم من يدفعون ضريبة هذه الحرب.
وبينما ترتفع معنويات المعارضة، تنهار معنويات النظام. فكل بقعة يتم “تحريرها”، ولو بشكل مؤقت، تزيد من إصرار الجيش السوري الحر وتثبط من عزم جنود الأسد. لم يعد النظام قادراً على فرض سيطرته على كل مكان، ولكي يضمن تأمين دمشق وحلب – القلب التجاري لسوريا – يجب عليه سحب جنوده من مناطق أخرى، وهو ما جعل مناطق الشمال والشرق صيداً سهلاً للثوار. وبعد يوم واحد من الهجوم على خلية إدارة الأزمات، تمكنت المعارضة من السيطرة على معابر حدودية مع العراق وتركيا.
رغم النواة الصلبة التي تتكون من الموالين له، يقف الطاغية السوري أمام خيارين: إما مواجهة نهاية كنهاية القذافي، أو الفرار مع عائلته نحو طهران أو موسكو
معنويات الجيش منهارة، ومئات الجنود ينشقون، فيما تنقسم وحدات عسكرية بأكملها وينقل ضباط عسكريون رفيعو المستوى عائلاتهم إلى الخارج. انهيار الجيش سيأخذ معه أحد أهم أعمدة النظام السوري، وهذا يعني بالنسبة للأسد خطراً إضافياً، فقد تقرر القيادة العسكرية الانقلاب عليه. كما أن الأمل في النصر بدأ يخبو في أوساط النظام، ولذلك قد تترك شخصيات قيادية الأسد يسقط وتنشق إلى الطرف الآخر من أجل تأمين مستقبلها.
بمن يستطيع الأسد الثقة، إذاً؟ الأسد لا يقف وحده بعد، فهو محاط بدائرة ضيقة من الضباط ورؤساء أجهزة المخابرات، الذي ينتمي معظمهم إلى الطائفة العلوية، إضافة إلى أفراد عشيرته المرتبطين به في السراء والضراء، لأنهم ربطوا مصيرهم ببقاء النظام، ذلك أنهم يتحملون مسؤولية استخدام العنف المفرط في الشهور الماضية. لقد أصبح القتال بالنسبة لهذه النواة الصلبة مسألة حياة أو موت، وهي مستعدة لفعل أي شيء من أجل النجاة.
وبالنظر إلى التصعيد الحالي في سوريا، فإن جهود المجتمع الدولي تبدو ساذجة، فحياة الأسد في خطر والاتحاد الأوروبي يسعى من خلال العقوبات إلى “زيادة الضغط” عليه. وبينما يقوم الجيش بقصف الأحياء السكنية، يبقى مراقبو الأمم المتحدة ثلاثين يوماً إضافية في فنادقهم. وبينما يتحدث النظام والمعارضة عن “المعركة الأخيرة”، يطالب الساسة حول العالم بوقف توريد الأسلحة ويطالبون بـ”انتقال منظم للسلطة”. ورغم أن الجميع يأمل في حل سياسي، إلا أنه أضحى غير ممكن. فمصير سوريا لن يتقرر على طاولة المفاوضات، بل من خلال القتال. ولهذا ثلاثة أسباب: بشار الأسد والمعارضة والمجتمع الدولي.
عجز فعلي: تحولت الأمم المتحدة في سوريا إلى مراقب، فعرقلة القرارات في مجلس الأمن الدولي تعطي النظام مزيداً من الوقت لمواصلة الحرب ضد المعارضة.
منذ البداية، راهن الرئيس الأسد على الحسم العسكري، ودفع بخصومه لاتخاذ طريق الصراع المسلح. على مدى شهور كانت المعارضة المعتدلة مستعدة للتفاوض مع ممثلي النظام حول انتقال ديمقراطي للسلطة، وشرطها الوحيد آنذاك كان وقف العنف ضد المتظاهرين السلميين. لكن الأسد استمر في إطلاق النار عليهم، ولم يوقف استخدام العنف ضدهم يوماً واحداً طوال 16 شهراً لإعطاء المفاوضات فرصة للنجاح.
أما فصائل المعارضة السياسية المختلفة، كالمجلس الوطني السوري في إسطنبول وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في دمشق والمجلس الوطني الكردي وغيرها من الأحزاب، فهي متفقة في نقطة مهمة، وهي أن بداية ديمقراطية جديدة لسوريا لا يمكن أن تتأتى بوجود الأسد. هذه المجموعات مستعدة للتفاوض فقط حول انتقال السلطة.
بشار الأسد يعتبر نفسه منقذ سوريا، ويظن أن غالبية الشعب السوري تقف خلفه، وأن عليه حماية بلاده من الإرهابيين والإسلامويين والمتآمرين على البلاد من خارجها، ولهذا لا يجب عليه أن يتنصل من مسؤولياته. لذلك فإن التفاوض على تنحيه من السلطة مرفوض تماماً من وجهة نظره، وبالتالي فهو لا يعتبر أن المحادثات بين المعارضة والنظام مبنية على أي أساس سليم.
وبين هذا وذاك يقف المجتمع الدولي موقف المتفرج، فالأمم المتحدة عاجزة عن التصرف فيما يخص سوريا، ومجلس الأمن الدولي غير قادر حتى على التهديد بفرض عقوبات اقتصادية بسبب معارضة كل من روسيا والصين، اللتين تتمتعان بحق النقض (الفيتو). هذا يعني اللجوء إلى النداءات، التي لا تلقى آذاناً صاغية لدى النظام في دمشق، وتمنح الأسد مزيداً من الوقت للاستمرار في حربه على الثوار.
لقد فقدت الأمم المتحدة كل مصداقية لها في سوريا، فمنذ ثلاثة شهور تطالب خطة كوفي عنان بوقف لإطلاق النار. ورغم أن هذه الخطة تلقى موافقة كل أطراف الصراع، إلا أنه لم يتم تنفيذ أي نقطة منها منذ ثلاثة شهور. بل على العكس، فقد ازدادت حدة العنف، ووصل عدد القتلى إلى أكثر من مائة شخص يومياً. أما مراقبو الأمم المتحدة الثلاثمائة، فلا يسعهم سوى تصوير سحب الدخان فوق حمص ودمشق، أو الإسراع إلى مكان وقوع مجزرة جديدة، من أجل توثيق بقع الدماء أو مكان سقوط القذائف.
ترى كريستين هيلبيرغ أنه “بالرغم من الضبابية المحيطة بعناصر الجيش السوري الحر والقصور في هيكليته التنظيمية، إلا أنه الطرف الوحيد القادر على إعادة الاستقرار إلى البلاد في حال سقوط النظام”.
لقد أدرك معظم المعارضين منذ شهور أنه لا يمكن هزيمة نظام الأسد إلا بالقوة، وأنهم سيخوضون وحدهم هذا الصراع حتى نهايته. ولهذا ازداد عدد المناطق التي تم “تحريرها”، إضافة إلى ارتفاع عدد المنشقين والعسكرة المتواصلة للثورة والتسليح الأفضل للثوار.
ومن جهة رسمية، يبدي الغرب تردداً في تسليح المعارضة، بحجة أن المزيد من الأسلحة ستجلب المزيد من العنف. لكن علينا ألا نخدع أنفسنا، فالأسلحة ستجد طريقها عاجلاً أم آجلاً إلى البلاد، وما يمكن للعالم أن يفعله هو دعم القوى “الخيّرة”، المتمثلة في المنشقين عن الجيش السوري، وذلك بهدف تحجيم تأثير الإسلامويين والمجموعات الإرهابية الدولية.
وبالرغم من الضبابية المحيطة بعناصر الجيش السوري الحر والقصور في هيكليته التنظيمية، إلا أنه الطرف الوحيد القادر على إعادة الاستقرار إلى البلاد في حال سقوط النظام. فهو يضم في جنباته معظم المنشقين عن الجيش وأكثرهم خبرة عسكرية، بمن فيهم 20 جنرالاً فروا إلى تركيا.
المعارك الدائرة في دمشق وحلب، والهجوم على خلية إدارة الأزمات التابعة للأسد والانشقاقات الواسعة في صفوف الجيش النظامي تدل على أن الجيش السوري الحر يزداد تنظيماً، وأنه يحظى بدعم في قيادات الجيش العليا ويتمتع بدعم معظم أفراد الشعب. وحتى مع كون بعض وحدات الجيش الحر تعطي انطباعاً إسلامياً، فإن قيادته في تركيا تقرّ بالتعددية الدينية والعرقية في سوريا.
الحد من الأعمال الانتقامية
في بعض المناطق “المحررة” بدأت بالفعل مرحلة ما بعد الأسد. لذلك من المهم هناك الحد من الأعمال الانتقامية وضمان الأمن والمعونة للسكان، وهو ما سيشكل تحدياً كبيراً بالنظر إلى الغضب والألم والحزن الذي يعصف بالسوريين.
ينبغي على المعارضة التغلب على فروقاتها، وعلى الأرض يجب أن يتعاون الشق المدني للمعارضة مع العسكري من أجل إعادة الحياة اليومية إلى طبيعتها والحفاظ على تماسك البلاد. يجب إعادة التيار الكهربائي والمياه، واستخدام القوة يجب أن يظل مقصوراً على الدولة. كما يجب أن يكون هناك أفق سياسي لانتقال السلطة، وأن يتم السعي لتحقيق العدالة. ومن أجل تحقيق كل ذلك، فإن المعارضة السورية بحاجة إلى دعم من الخارج.
على المجتمع الدولي أن يستيقظ وأن يعترف بفشله في سوريا على مدى 16 شهراً، على المستويات السياسية والدبلوماسية والقانونية والعسكرية، وحتى على المستوى الإنساني. لقد تُرك السوريون وحدهم ليخوضوا صراعاً ضد نظام دكتاتوري، ولذلك يجب ألا يُتركوا وحدهم عند أثناء بناء بلادهم وإعادة السلام إليها.
على “أصدقاء سوريا” – تلك الدول التي نأت بنفسها منذ فترة طويلة عن الأسد ووقفت إلى جانب المعارضة، تجهيز القوى السياسية المختلفة والمنشقين في الجيش السوري الحر لاستلام السلطة؛ لعل ذلك يعيد بعضاً من المصداقية التي فقدها المجتمع الدولي لدى السوريين.
كريستين هيلبيرغ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
عملت الصحافية كريستين هيلبيرغ بين سنتي 2001 و2009 كمراسلة حرة في دمشق. سيصدر لها كتاب بعنوان “بؤرة الصراع سوريا – نظرة على بلاد منغلقة” في سبتمبر المقبل عن دار هيردر.