سوريا التي بلغت مرتبة كارثة القرن/ أيمن الشوفي
برد آذار الذي استيقظ على أجسادِ السوريين فجأةً، ذكّرهم بأنهم منقسمون حول التسمية: هل كانت ثورةً، أم مؤامرة؟ ذكرّهم أيضاً بأنهم مجرّد فارق حسابي طفيف تنقله العناية الدولية من خانة الأحياء، إلى خانة الأموات، أو النازحين، وتحرّك سلاح الطرفين كيفما تشاء. الناجون منهم فقط أدمنوا الحياةَ الشحيحةَ في الداخل، ونسبوا أنفسهم إليها. غيرهم سالَ إلى الخارج ليتنفّسَ بعمقٍ هناك، وبعيداً عن شبحِ وطنٍ يحتضر.
ثلاث سنواتٍ مرّت على انتفاضة آذار 2011، الفارّون من صمتهم حينها يتذكرون كيف أربكت حناجرهم الدولة الأمنية العميقة ابتداءً من 15 آذار في تظاهرة “الحريقة” بدمشق القديمة، ثم في “جمعة الكرامة” يوم 18 آذار في دمشق ودرعا وحمص، وما تلاها.
جاء آذار، ذهب آذار. قدومه الثالث لم يحمل جديداً سوى زيادة طفيفةً على منسوب الموت اليومي، الاعتقال، والدمار. السوريون الملتحقون بالموت فاق تعدادهم 140 ألفاً، الأكثرُ فطنةً اختاروا اللجوء، وهم نحو 10 ملايين سوري، ينقسمون بين 6.5 ملايين نازح في الداخل و3.5 ملايين لاجئ في الخارج، منهم مليون لاجئ تقريبا في لبنان. الأمم المتحدة ترشّح رقم اللجوء الخارجي ليبلغ 4.1 ملايين مع نهاية العام الحالي. الأطفال السوريون شاركوا كبارهم لعبة الموت واللجوء. ثمة 4300 طفل قضوا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وثمة أيضاً 1.2 مليون طفل سوري لاجئ من المتوقع أن يصيروا 1.6 مليون مع نهاية العام 2014 بحسب تطمينات الأمم المتحدة. الأقل حظاً فضّل الاعتقال. فتعداد المعتقلين السوريين منذ ثلاثة أعوام ناهز 215 ألفاً. بينهم 9 آلاف ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة، وفقاً لإحصائيات مرجعها الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ثلاث سنوات مرّت على “صحوة آذار” وكلفةُ إعمار ما قوّضته الآلةُ العسكرية بات يتجاوز 165 مليار دولار. 238 صاروخ “سكود” أمطرتها سماء الوطن على أرضه. 3500 برميل متفجر لتحسين موسم الإعمار المنتظر، وعلى الخارطة ثمة 1.2 مليون منزل، 194 مستشفى، 380 مدرسة تم تدميرها بنجاح، والأمم المتحدة فعلتها، ووصفت ما يحدث في سوريا بأنه “كارثة القرن”.
جاء آذار، تَعِبَ آذار، والعالم المتحضّر، بمن فيه “أصدقاء الشعب السوري”، يتحاشى “كارثة القرن” في ذكراها الثالثة، ويحشدُ عتاده المألوف إلى “كارثة القرم”. الميم تعنيه، والنون لا تعنيه. دمشق ليست على خارطة أولوياته. بل “سيمفروبول” وهي تبذل جهدها لتُخرِجَ للعالم نتائج استفتاء انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا. السوريون البسطاء وحدهم يعرفون الفرق، دماؤهم رخيصةٌ على الجميع. لا جديد إذاً في آذارهم الثالث، سوى أن لا أحدَ سينتصر في لعبة السلاح، لكن كلفة الإعمار تصيرُ أشهى.
لا جديد في آذار 2014، سوى أن مجلس الشعب السوري لم يتفق بعد على تعريف الفلاّح وهو يناقش مشروع قانون الانتخابات العامة، و”الفروج” الأوكراني المجمّد يوشك على دخول السوق السورية بسعر 2 دولار للكيلو غرام الواحد منه، والأردن يوشك على افتتاح مخيم الأزرق، الشقيق المؤكد لمخيم الزعتري الذي شيّع طفلين ماتا إثرَ حريقٍ طارئ لم تكن مناسبته على الإطلاق الاحتفال بالذكرى الثالثة للثورة السورية، لا جديد سوى ثلاث قذائف هاون سقطت إحداها على منطقة العباسيين، والثانية على حديقة الجاحظ قرب مكتبة الأسد، والثالثة على الشيخ سعد في منطقة المزّة، ولم تستطع أيٌّ منها أن تغيّر مزاج الدبكات الموالية للنظام التي كانت تنعقد بلا كلل في ساحة السبع بحرات، أو حتمية خروج ثلاث مسيرات نظّمها معارضون سوريّون، واحدة في واشنطن، وثانية في لندن، وثالثة في باريس، يسألون فيها حكومات “أصدقاء الشعب السوري” عن سبب خذلانهم لدمنا الرخيص، واكتفائهم بـ”الفرجة الدولية”.
لا جديد في آذار الراهن، سوى إصرار وزير الإعلام السوري السابق على أن الدستور السوري مثل الدستور الفرنسي بلا ريب، وأراد إثبات ذلك على إحدى الفضائيات، لا جديد أيضاً سوى اعتراف مصطفى نواف العلي، عضو “الائتلاف السوري المعارض”، على فضائيّةٍ أخرى بأن مليون دولار كان من المفترض أن يرسلها الائتلاف إلى المقاتلين في يبرود لكنّها تبخرت على الطريق. لا جديد يُقال سوى بلوغ سوريا بقتلاها ومعتقليها ونازحيها ونظامها ومعارضتها مرتبة “كارثة القرن” بامتياز.
(دمشق)
السفير