صفحات العالم

سوريا.. الحقيقة الممنوعة


ديانا مقلد

حين رأينا صورهم وهول ما أُنزل بهم، اعتقدنا أن الموت قصفا هو أشبه بالموت الرحيم مقارنة بما عاشه ضحايا كرم الزيتون في حمص.

أطفال قتلوا يدويا وبوحشية بالغة.. وبالصور.

بعضهم مات بعيون مفتوحة؛ إذ لم يسمح الرعب والقتل بإغفاءة ولو أخيرة. أطفال بدت سراويلهم رطبة لعلهم بللوها خوفا وهم يواجهون قتلتهم من دون حيلة.

كبشر فإن صور مجزرة حمص تفوق قدرتنا على الاحتمال والفهم، وكصحافيين فإن مشاهد الأطفال الدامية ومشاهد كل الضحايا هي صك إدانة آخر لنا على فداحة استسلامنا لرغبة النظام السوري في منعنا من تغطية الحدث المتفجر على مدار اللحظة دما ونارا في سوريا.

حال النظام دون دخولنا إلى سوريا وتغطية ثورتها. قبلنا وسلمنا، لكن صحافيين غربيين لم يستسلموا لهذا المنع ولم يقتنعوا بأن الحظر سبب كافٍ للحيلولة دون الدخول وتسجيل ما يجري. تسلل صحافيون وعادوا لنا بقصص وأخبار ثبّتت ما عرفناه عن الثورة من يومها الأول: محتجون يواجهون آلة قمع وقتل لا حدود لبطشها.

قُتل من قتل من هؤلاء الصحافيين الغربيين، وهدد النظام من بقي منهم بأنه سيتخذ «الإجراءات اللازمة» في حقهم إذا هم بقوا في سوريا متسللين أو إذا حاول صحافيون آخرون التسلل.

لا، بل إن أصواتا ممانعة سألت في لبنان مثلا: كيف يُسمح بتسلل صحافيين عبر لبنان إلى سوريا؟ ودعت إلى توقيفهم ومحاسبتهم وصدرت بيانات وقصص صحافية تدعو إلى إجراءات بحق «منتهكي السيادة».

هذه الأصوات التي هالها انتهاك سيادة مزعومة لم يتبادر إلى ذهنها سؤال آخر: كيف سُمح بقتل هؤلاء الأطفال؟ ومن الذي سمح بقتلهم؟ قبل أن يفكروا بمن سمح بتسلل صحافيين إلى سوريا. فالخرق الناجم عن انتهاك طفيف للحدود لا تمكن مقارنته بانتهاك دموي لشرعة العيش، وهنا تبدو مفارقة مستنكري تسلل الصحافيين إلى سوريا دموية بدورها بل ومبررة للقتل.

لعلنا قلنا إن موت صحافيين هو سبب قوي آخر يحول دون ذهابنا إلى حمص وإدلب.

لكن ماذا بعد ما شاهدناه في مجزرة الأطفال والنساء الأخيرة في كرم الزيتون؟!

من حق البعض القول: إن ذهابنا، نحن الصحافيين العرب، إلى سوريا ومعاينة ما يجري لن يبدل من الصورة ولن يقلل من الجهد الاستثنائي الذي يبذله الناشطون السوريون في تغطية حدث حياتهم تحت النار وحدث موتهم أيضا.

لكن هؤلاء يغطون حياتهم في غيابنا، أما نحن فكان من المفترض أن نغطي حياتهم في وجودهم وأن ننقل ثورتهم وانتصارهم على جلاديهم. عندما تقول إحدى وسائل إعلام الممانعة اللبنانية إن «الطرفين» في سوريا يتبادلان المسؤولية حول المجزرة التي وقعت في كرم الزيتون فهي لم تطرح على نفسها مهمة الذهاب إلى هناك، وبالتالي لن تتمكن من أن تقدم لقرائها حقيقة المسؤول عما جرى.

يمنع علينا تغطية سوريا، وعلينا أيضا أن نصدق الرواية الرسمية للنظام.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى