سوريا.. “الموافقة الأمنية” تحدد مكان سكنك/ رولا عطار
كل شيء في سوريا أصبح يخضع لمنطق الحرب، وما يفرضه هذا المنطق من قواعد تجعل من حالات الاستغلال أمراً واقعاً وطبيعياً. سوق العقارات في سوريا هو أحد القطاعات التي ازدهرت خلال سنوات الحرب الأربع الماضية، لاسيما في مجال تأجير الشقق المفروشة. فمن يملك منزلاً تحول إلى تاجر عقارات، حيث بدأ سوق العقارات يتحرك مع ازدياد أعداد النازحين، وبالتالي أصبح حجم الطلب على الشقق السكنية أكبر بكثير مما كان عليه في السنوات السابقة.
ولأن العلاقة بين المؤجر والمستأجر لا يحكمها أي قانون اليوم، في وقت لا تتدخل أي جهة رسمية لتنسيق عقود الإيجار إلا من ناحية كونها أجراءً روتينياً، بات يمكن للمؤجر فرض شروطه لتحديد السعر، وخصوصاً لجهة إلزامية الدفع مسبقاً، كما بات لأصحاب العقارات امكانية التحكم بالسوق.
هذه المكتسبات الإضافية لأصحاب العقارات، يتم تقاسمها مع النظام، الذي دخل لعبة العقارات بشكل مباشر، عبر اشتراط موافقته المسبقة على المستأجرين، لإبرام أي عقد إيجار.
وقد بدأت تظهر حال من التشدّد الأمني حول من يسكن أو يستأجر في مدينة دمشق، وعلى وجه التحديد في وسط العاصمة، وبات المطلوب من كل مستأجر أن يحصل على ورقة موافقة أمنية تسمح له بالسكن في عقار ما. وفي حالات كثيرة يكون الرد بالرفض، ومن الممكن أن يستغرق زمن الحصول على هذه الموافقة شهراً أو أكثر، وفي بعض المناطق يستغرق ذلك أياماً قليلة، وذلك حسب الفرع الأمني في المنطقة المعنية. وهذه الموافقة تخضع في ما بعد للتدقيق، عبر حملات تفتيش يقوم بها الفرع، للتأكد من حصول جميع القاطنين على موافقات غير مزورة. حيث يتم كل فترة تفتيش المنازل والسؤال عن هذه الموافقة، التي دخلت لعبة الوساطات والأحقاد المنتشرة بين الأهالي، على خلفية انقسام المناطق بين موالاة ومعارضة، ما يزيد صعوبة الحصول على موافقة على إستئجار بيت في دمشق، إذا كان المستأجِر من محافظات إدلب وحماه وحمص وغيرها.
استغلال
من يملك اليوم عقاراً في بعض مناطق سوريا بات يضمن لنفسه دخلاً شهرياً ثابتاً، كونه يطلب من المستأجر أن يدفع مسبقاً إيجار ستة أشهر أو سنة، وهذا الشرط يعني فرض مبالغ باهظة على المستأجر.
ولم يكتفِ أصحاب العقارات بطلب الدفع مسبقاً، بل يطلبون أيضاً مبلغاً إضافياً كتأمين على موجودات المنزل، ومبلغاً آخر لتسديد فواتير المياه والكهرباء القديمة. والبعض يطلب ثمن تذكرة سفر الى الخارج، وفق أبو مصطفى، الذي تحوّل من بائع في دكّان، إلى سمسار عقارات.
تجارة العقارات وأرباحها التي أفرغت جيوب المستأجرين، تعمل على إعادة التوزيع الديمغرافي للسكان. ويظهر ذلك من خلال بيع سكان الضواحي لعقاراتهم، والتوجه نحو العاصمة لإستئجار منازل. وقد ارتفعت وتيرة النزوح مع تفاقم أزمة المحروقات، حيث بات التنقل الدائم بين الريف والمدينة أمراً صعباً.
غير أن هذه العملية سترتّب نتائج سلبية على المدى البعيد، بعد توقف الحرب وعودة المهجرين والنازحين. لأن أصحاب العقارات سيعودون لتسلم عقاراتهم، مما قد يؤسس لأزمة سكن أخرى، يعززها بحث المستأجرين عن منازل جديدة لإستئجارها، الأمر الذي يعيد رفع الأسعار، ويرتب إنعكاسات أخرى.
المدن