سوريا بين مسرحين/ عبد الرحمن الراشد
«والله شي بيجنن.. صرنا نبارك لبعض عاللجوء.. وصرنا نفرح إذا واحد منا لاقى سقف يآويه هو وعيلتو.. صرنا نفرح إذا ولد قام من تحت الأنقاض ولسه في روح.. ولك صرنا نحلم نشوف جثث ولادنا وندفنها بقبر..».
لخصت الفنانة يارا صبري، في هذه المونودراما، قصة الإنسان السوري اليوم. كانت تمثل في مسرحية «تحت السما»، دور السورية المقاتلة، المتحصنة خلف أكياس الرمل، وذلك على مسرح دبي الاجتماعي، الذي اكتظ بالجمهور، بخلاف ما توقعته، بأن عددًا قليلاً من الناس يرغب في حضور المسرح السياسي، وهو يشاهدها كل ليلة منذ خمس سنوات تلعب على شاشات التلفزيون.
السوريون أهل فن وثقافة، وهي جزء من حياتهم أينما رحلوا وحلوا. بعد الحرب، نقلوا معهم مجتمعهم كتّابًا وممثلين وفنانين ورسامين. كانت المسرحية عملاً مؤثرًا، على خشبة مسرح دبي، وخلال العرض، يمكن أن تسمع شهيق بعض المشاهدات والمشاهدين، حيث نكأت المسرحية جراح الجميع. الجالس بجواري فقد أكثر من 16 من أفراد عائلته، وكذلك خسر معظم الحضور أعزاءً عليهم، تقريبًا كل الشعب السوري شريك في المأساة.
في مسرحية «تحت السما»، التي كتبتها فاديا دلّا وأخرجها ماهر صليبي، لم نرَ «داعش»، ولم نسمع عن حرب طوائف، تقول الجالسة بجواري، هذه كانت سوريا، للجميع قبل أن يمزقها النظام، ويقرر هدمها، وتهجير أهلها. فقد حاول النظام، ونجح في تصوير مواجهته مع غالبية الشعب السوري على أنها حروب إرهاب، وصراع تم تصديره إلى سوريا من الخارج كمشروع ديني. لكن حكاية الثورة السورية، مثل الليبية واليمنية، حكاية شعوب لم تعد تتحمل العيش تحت حكم أنظمة عسكرية أمنية شرسة، حيث تتذكر وتذكرنا الممثلة على المسرح كيف أن الناس تفرح حتى عندما تحصل على الخبز غير المعفن في سوريا ما قبل الثورة، وكيف أشغل النظام الناس بالبحث عن قوتهم كل يوم بيومه، وكيف كان يسومهم العذاب، لهذا انتفض السوريون ليس عن حقد ديني أو آيديولوجي.
هل يعرف الناس حجم المأساة التي ارتكبت بحق ملايين السوريين؟ في النص الموجع والمرح معًا، في كوميديا سوداء التي كتبتها فاديا، تختلط المشاعر. تلتقط تليفونها، تصور نفسها مرات في أوضاع مختلفة تمسك بالبندقية، «بلكي حدا يشوف هالصورة وبيحطللي لايك لايك لاااايك (على الفيسبوك). تعقبها لحظة صمت وهي تتذكر. والنَّاس اللي عم بيغرقوا بالبحر.. كيف بدهن يشوفوا كم لايك عم يحطوا لهم على صورهم؟!».
ولا شك أن حجم التعاطف العربي والعالمي مع السوريين هائل جدًا لكنه لا يترجم على الأرض بسبب المواقف الانتهازية الرسمية للحكومات، وهكذا نرى الفارق بين التعاطف الشعبي واللامبالاة الدولية التي جعلت سوريا أعظم مأساة عرفناها بعد الحرب العالمية الثانية.
ورغم حياة الشتات، وتعدد المنافي، وضخامة عدد اللاجئين، لن يمكن دفن القضية السورية طالما أن هناك رفضًا مستمرًا للوضع الخاطئ القائم، ولهذا السبب فشلت الحرب في فرض الوضع الذي يريده النظام. وكلما نسأل ونقول هل يستطيع السوريون الصمود، نجد أنهم بمثل هذه الروح، وهذا الإصرار قادرون على تجاوز محنتهم، ومهما نجح نظام بشار الأسد في تهجير من تبقى من الشعب السوري فإنه لن ينجح في زرع اليأس في صدورهم.
* نقلاً عن “الشرق الأوسط”