صفحات العالم

سوريا: غربة بشار!


    علي حماده

التقيت البارحة في باريس زميلا اجنبيا، يعتبر من كبار المراسلين في احدى اهم محطات التلفزيونية العالمية وقد امضى ثلاثين عاما من حياته في المهنة، متنقلا في الشرق الاوسط والعديد من دول حوض البحر الابيض المتوسط من فلسطين الى لبنان فسوريا والعراق ومصر ويوغوسلافيا السابقة وغيرها من البلدان التي شهدت ازمات كبرى في المنطقة. ودار بيننا حديث عن سوريا وازمتها التي تبدو حسب الزميل المخضرم طويلة بمعنى ان النظام مات ولكن احتضاره سيدوم مدة يمكن قياسها بالشهور.

فجأة سأل الزميل: في رأيك ما مدى رؤية بشار للوحة المشهد السوري برمته؟ اجبته هل تقصد انه منفصل عن الواقع ام انه على صلة به؟ قال: نعم. قلت: في المرحلة الاخيرة ولا سيما في المقابلة الاخيرة التي اجرتها معه قناة “الدنيا” شعرت انه يتحدث امام المرآة. وقد كتبت ذلك في مقالة سابقة. هنا بادر الزميل وقال: “انا ارى ان بشار بدا في المقابلة الاخيرة كأن نسبة انفصاله عن الواقع بلغت مستويات قياسية”. اضاف: “كان بشار في المرحلة السابقة يعيش في شبه غربة عما يحصل في سوريا، فقد كان يتصور ان الشعب يحبه. اليوم بات يذكرني بميلوسيفيتش عشية سقوطه عندما ارسلت المخابرات الصينية الى بلغراد فريقا من الخبراء لدرس سيكولوجيته وهو يشارف السقوط وتوصل الخبراء الذين واكبوا مرحلة سقوطه الى خلاصة علمية مفادها انه كان في نهاياته لا يرى اكثر من ١٠ في المئة من المشهد اليوغوسلافي وقد انفصل في شكل تام عن الواقع المحلي والدولي الذي احاطه”.

ثم ذكرني الزميل المخضرم بشعار للنظام اطلق قبل ٤٥ يوما ولفتته عبارة: “حلب ام المعارك”! فقال: “الا يذكرك هذا الشعار بشعار صدام عن ام المعارك قبيل سقوطه؟ مع فارق الظروف. وشكل الحرب؟”.

كل الذين التقوا بشار الاسد في العام الاخير يجمعون على قول واحد: اما انه ممثل بارع يعرف حجم الكارثة التي وقع فيها ويظهر ببراعة متناهية النقيض، او انه فعلا لا يمثل ولا يرى حقيقة ما يدور حوله، ولا يدرك ان النظام انتهى، وان الخطة “باء” التي تنسب الى الايرانيين وتقضي بالانكفاء الى ما يسمى “الدويلة العلوية” عبر رسم حدودها بالدم والموت لن تنقذ النظام مهما صار لانها ستصير بمثابة اسرائيل ثانية في زمن بالكاد يتحمل وجود اسرائيل واحدة.

ما مدى انفصال بشار عن الواقع؟ تقديري ان من يعيد قراءة مقابلته في ٣٠ كانون الثاني ٢٠١١ في “الوول ستريت جورنال” يكتشف كم ان الرجل الذي رفض رؤية موجة التغيير الآتية واعتبر ان الشعب يحبه ولن يثور لأن النظام قريب من تطلعاته كان يعيش في كوكب آخر. ويبقى واقع لا لبس فيه هو ان بشار الاسد غارق حتى رأسه في بحر من دماء السوريين وهذه حقيقة لن يمحوها الزمن!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى