سوريا في الربيع العربي
محمد الحاج ابراهيم
منذ خطاب القسم عام 2000كان يمكن لسوريا أن تمضي في مسيرة إصلاح تسبق غيرها في الوطن العربي فتتقاطع السلطة مع المعارضة والمجتمع بحلول سياسية كان لها أن توفر الكثير والكثير، ولو تبنّت السلطة هذا الخيار لكانت بدأت مبكرا بصناعة الربيع العربي وشكلت قاعدته الأساس ووفرت على الأمة الضحايا التي سقطت في تونس ومصر وليبيا وكانت نهاية القذافي أكثر رقي من الطريقة التي انتهى بها كانتقام لخياره الأمني في القتل والاغتصاب لأبناء وبنات وطنه،هذه القاعدة التي كان لها أن تكون نمطا هادئا وسلميا في التغيير الوطني الديمقراطي في الوطن العربي كله يريح المجتمع اقتصاديا وسياسيا ويُبعده عن الدخول بمتاهات أمنية لايعرف أحد كيف ومتى وأين تنتهي خاصة وأن الخيار الأمني الذي اعتُمد بتونس ومصر وليبيا قد أنهى السلطة وباتجاه إنهاء المنظومة كلها وحل مكانها بدائل متعددة من المجتمع الذي كان محكوما بالهيمنة الأمنية على كل شيء يتعلق بحياة الناس وهذه ميزة لتعريف نظم الحكم في المنطقة العربية جمهورية أو ملكية.
في العام 2011 بدأ الربيع في تونس وتنقل في بلدان الوطن العربي مسقطا نظاما تلو آخر رغم تعثره في ليبيا التي ظن قائدها وأبنائه أنهم مختلفون عن غيرهم فكانت النتيجة أكثر من خمسين ألف ضحية ومئات الآلاف من الجرحى والمعاقين وانتهى القائد النهاية المفجعة لزعيم كان فيلسوفا مؤلفا كتابه الأخضر ولم يوصله إلى هذه النتيجة غير تعنته أمام استحقاق عمره أربعين عاما من تراكم الاحتقان الذي تفجر ولم يهدأ إلا بالتغيير العنفي الذي كان يمكن تفاديه لو اعتمد القائد العقلانية السياسية بالتعامل مع مواطنين ليسوا جرزان بل بشر من ماء وطين.
تعثر الربيع العربي في اليمن الذي يعيش قاب قوسين أو أدنى من خيار عسكري سيكون مكلفا لكن لن يُدخل اليمن في انقسامات عمودية كما يتصور البعض كون شباب الثورة في اليمن من الجنسين أبدوا وعيا نوعيا لخياراتهم السلمية وهذا مايحمي اليمن من صراع عمودي تكون القبيلة والعشيرة أساسا له.
في سوريا دخل الصراع مرحلة الصدام المسلح بين عصابات حسب السلطة ومنشقين حسب المعارضة وذلك مع قوى الجيش والأمن ونتج عنه خسارات كبيرة من شباب الوطن الغالي وهذا مايدفع نحو الأسئلة التالية:
1- هل لدى السلطة القدرة على حل الأزمة القائمة في حال التحول إلى الخيار السياسي؟.
2- في حال عجز السلطة عن ذلك هل لدى الجامعة العربية حلا ينهي الأزمة حلا نهائيا؟.
3- في حال عجز السلطة والجامعة العربية هل تدخل المسألة دائرة التدويل وماهي الخسارات والمكاسب من التدويل في حال حدث لاسمح الله؟.
يمكن القول :
كما المشكلة نبتت من الداخل لابد أن يكون حلها من الداخل شرط المصداقية والوعي الوطني الذي يدفع باتجاه الحرص على الوطن وذلك بتبني الخيار الديمقراطي والتخلص من كل مؤشرات الاستبداد التي خلقت حساسية خاصة لدى المواطن السوري الذي لم يعد قادرا على قبولها بكل الظروف إذ أن قناعته تؤكد أن التغيير حدث في البلدان التي دخلها الربيع العربي بعدد قليل من الضحايا /تونس/ وعدد ضخم من الضحايا /ليبيا/ لكن النتيجة حدثت وانتصر الشعب،ويعتبر المواطن السوري أن الضريبة قد دفعها من الضحايا التي سقطت ولو احتاج أكثر سيقدم حتى تحقيق التغيير.
في حال لم يحقق الداخل تغييرا ولم يحقق تعريبه تغييرا سيكون التدويل هو الخيار!!!
ماذا يعني التدويل؟
التدويل يعني استدعاء قوى أجنبية تتصرف عسكريا من بعيد كما حدث في ليبيا أو تنزل على الأرض كما حدث للعراق وكلاهما محل رفض المواطن السوري لحساسيته المفرطة تجاه الأجنبي وتدخله في شؤون بلاده.
المواطن السوري يعرف جيدا أن في معظم بلدان العالم المتحضر يبقى الرئيس أربع أو سبع سنين على الأكثر في الولاية ويمكن تجديدها لمرة واحدة فقط،دون خضوع المجتمع لابتزاز حزب أو سلطة أو غيرها من دوائر متسلطة تحت شعارات مختلفة تجعل عدد قليل من المجتمع يملك ثروة البلد والعدد الأكبر تحت خط الفقر،هذا الفقر الذي يزرع شعورا قاسيا بانتزاع الكرامة قسرا والتسلط الذي يزرع شعورا بفقدان الحرية أي أن المواطن في المنطقة العربية يعيش ألمين ألم الحرية وألم الرغيف والدواء.