سوريا في نفق الاستنزاف
راجح الخوري
دخلت الازمة السورية مرحلة استنزاف على كل المستويات ليس من الواضح كيف ومتى يمكن ان تنتهي.
الاستنزاف العسكري تمثل امس، وبعد مرور سنة على اندلاع الازمة، بعودة الجيش الى اقتحام درعا التي انطلقت الاحداث منها وتعرضت لأكثر من اقتحام دون ان يؤدي هذا الى عودة الهدوء، بمعنى ان الاقتحامات لم ولن تنهي الاعتراضات، وان اجتياح حمص وادلب وريف دمشق لن يعيد الامور الى ما كانت عليه.
الاستنزاف الديبلوماسي يتمثل في مهمة كوفي انان الذي حصل من الاسد على كلمة “لعم” وقد فسّرتها دمشق بالقول “لا يمكن الرد بنعم او لا… لأننا نفرق بين مطالب الشعب ومن يستغلها، ولأن الجيش في حال الدفاع عن النفس” [!] هذا الرد يمثل قمة السخرية من انان و”اقتراحاته المدروسة”، وهو ما يؤكد ان الاسد رفض فعلاً الاعتراف به ممثلاً للجامعة العربية وانه يعتبره مجرد وسيط دولي غير معني بايجاد تسوية للوضع السوري على اساس المبادرة العربية التي تدعوه الى التنحي.
لمزيد من الاستنزاف يريد النظام ان يبدأ وقف العنف من جهة المعارضة وتريده روسيا ان يكون متزامناً، بينما تريده الجامعة العربية والامم المتحدة ان يبدأ من جهة النظام الذي بدأ العنف إذ ليس معقولاً مطالبة الناس بوقف الدفاع عن انفسهم. اكثر من هذا رد الاسد على مطالب انان الثلاثة بثلاثة مطالب استنزافية: تعهّد المسلحين وقف النار – تعهّد دول الجوار وقف ادخال الرجال والسلاح – تعهّد الدول الممولة للمعارضة وقف التمويل. كل هذا يشكل استنزافاً لمهمة انان التي يفترض ان تقرر التحرك المقبل في مجلس الامن، فاذا تعاون الاسد يصبح من الممكن اصدار قرار، وإن لم يتعاون، وهو الارجح، يصبح من الضروري تزخيم الموقف الدولي لوقف المأساة.
وعندما يعلن في واشنطن ان الرد السوري على انان، جاء سلبياً كما كان متوقعاً وهذا “غير مقبول لأن ليس فيه اي اشارة الى تنحي الاسد وانتهاكات الجيش للمدن وسحب القوات”، فإن ذلك يعني ان الرد على استيضاحات انان سيكون في حاجة الى مزيد من الاستيضاحات التي تستنزف مزيداً من الوقت.
اما الاستنزاف السياسي فيتمثل اولاً في اتكاء الجامعة العربية على مهمة انان الفاشلة، وثانياً في الاكتفاء بابتلاع المرارة من “الفيتو” الروسي والصيني، الذي يمنع مجلس الامن من اتخاذ قرار، في حين تستطيع الدول العربية بلورة موقف جاد يخيّر موسكو بين الاستمرار في دعم النظام وخسارة عشرين دولة عربية، وثالثاً في التفكك المعيب الذي يضرب صفوف المعارضة السورية، ورابعاً وهو الادهى، في تبني اميركا نظرية النأي بالنفس اللبنانية عن المأساة السورية، فلقد سئم العالم من تكرار باراك اوباما القول: ليس السؤال ما اذا كان الاسد سيسقط بل متى سيسقط!