سوريا..لا حل إلا باسقاط النظام
حسين ديبان
لم يكن الشعب السوري موحدا في يوم من الأيام بقدر الوحدة التي يشهدها هذه الأيام عبر التلاحم بين جميع مناطقه ومدنه وأحيائه وحاراته، من أقصى حوران الى أقصى حلب ومن أقصى بانياس واللاذقية الى أقصى القامشلي والبوكمال، ولم يكن متآلفا متكاتفا متعاضدا متسامحا كما هو الأن بين جميع فئاته الدينية والمذهبية والعرقية، فلا أحد يعرف أو يستطيع أن يميز في أحداث الثورة السورية بين مسلم ومسيحي، أو بين سني وشيعي، أو بين درزي وعلوي، أو بين كردي وعربي، الكل واحد والجميع تقريبا امتزجت دماءهم بتراب سوريا، والجميع تلاقى على شعار واحد في المرحلة الثانية وربما الأخيرة من الثورة السورية قبل التتويج، ألا وهو “الشعب يريد اسقاط النظام”.
شعب سوريا المتسامح، منح طبيب الأسنان الشاب ما يكفي من الوقت ويزيد، في سبيل اصلاح ما خلفه أباه الديكتاتور الراحل حافظ الأسد من خراب عام شمل جميع مناحي الحياة في سوريا، إلا أن أحداث الأسابيع الثلاثة الأولى من ثورة الحرية السورية والطريقة التي تعامل بها النظام مع ثورة الشعب قدمت أكثر من برهان على أمور كان يدركها شعب سوريا تماما، ولكنه لم يكن يبوح بها، للحفاظ فقط على مجرد أمل وهمي هدمه النظام مع أول نقطة دم أسالها في شوارع درعا الباسلة.
شعب سوريا كان يدرك تماما أن هذا النظام يستحيل اصلاحه، ولكن هذا الشعب أصر في الأيام الخمسة عشر الأولى من ثورته ورغم سقوط العديد من أبناءه قتلى الرصاص الحي لأجهزة النظام الأمنية وعصاباته و”شبيحته”، أصر بأن تقتصر شعاراته على رفع حالة الطوارئ المستمرة منذ نصف قرن تاريخ وصول حزب البعث الفاشي الى السلطة عبر دبابات الانقلاب العسكري، وعودة الحريات الغائبة تماما منذ ذلك التاريخ، وقانون عصري للاعلام يمثل سوريا وما تستحقه، واطلاق سراح المعتقلين بسبب انتماءاتهم السياسية أو أرائهم التي تخالف رأي النظام، وعودة المنفيين، وايجاد حل انساني وعادل لملف المفقودين وهم أكثر من سبعة عشر ألف مواطن سوري حسب احصائيات مراكز حقوقية لم يشكك النظام نفسه في أمانتها المهنية.
لم يهتف شعب سوريا باسقاط النظام ولم يطالب برحيل الرئيس الشاب، وهو رئيس غير شرعي بكل المقاييس الدستورية والشعبية والأخلاقية، إلا مع بداية الأسبوع الثالث لثورته، وبعد أن منح وقتا اضافيا للديكتاتور الابن لم يستغله إلا من أجل اراقة مزيد من دماء الشعب السوري في مختلف مدنه وقراه، ولم يستغله إلا بمحاولات مستميتة من أجل شق صفوف السوريين دينيا وقوميا وطائفيا، فمن مسرحيات فرقه الأمنية التي حاولت نزع حجاب فتيات سوريا، الى محاولته ترسيخ ان الثورة القائمة هي ضد طائفة بعينها ينتمي اليها هو ومحاولة جر كل تلك الطائفة وتجيييشها للتخندق في صفه ضد أبناء شعبهم، وأخيرا محاولاته المستميتة لمغازلة ورشوة أبناء سوريا الكورد من خلال استدعاء ما قال انهم يمثلونه للقائه، أو عبر منحهم الجنسية التي حرموا منها طوال أكثر من نصف قرن، وكأن تلك الجنسية منحة من ” بيت اللي خلفه”، وهي لم تكن لتمنح لولا دماء أهل درعا ودوما وحرستا والمعضمية وكل سوريا.
لقد أبدى النظام العائلي الأسدي غباءا بلا حدود في تعامله مع ثورة شعبه المطالبة بالحرية، وهو يعتقد انه يستطيع في عصر ثورة المعلومات والانترنت الذي يتيح للجميع بان يكونوا مراسلين واعلاميين وناقلين للحقيقة، اعتقد انه يستطيع حجب جرائمه عن أنظار العالم، أو ايهام الجميع بأن ما يحدث ليس ثورة وانما هو من افعال مندسين وعصابات مسلحة وخارجون عن القانون، وفي هذا السياق فان كل أفلام أمنه السياسي الرديئة السيناريو والاخراج قد انكشف زيفها عبر ما وصل للعالم من خلال شبكة الانترنت مما صوره أحرار سوريا، وآخرها الفيديو الذي يكشف كيفية دخول عصابات النظام الى الجامع العمري في مدينة درعا بأسلحتهم وتبجحهم بقتل الأحرار والقضاء عليهم واظهار الفيديو بشكل واضح ان الأدوية والمستلزمات الطبية هي التي وجدت فقط في الجامع بعد أن حوله الاحرار الى ما يشبه المشفى الميداني بعد سيطرة قوات أمن النظام على المشفى الوطني والمشافي الخاصة وخطفهم للجرحى ولجثث الضحايا.
هذا النظام غير قابل للاصلاح أبدا، لسبب بسيط ان الاصلاح في كافة جوانبه يتطلب أولا استئصال هذا النظام وأجهزته الأمنية من أساسها، فكيف يمكن لهذا النظام ان يكون صادقا في رفع حالة الطوارئ و قد سخر اعلامه منذ اللحظة لاتهام الأحرار بانهم ارهابيون وهو ما يعني محاكمتهم وفقا لقانون الارهاب الذي سيحل محل قانون الطوارئ، وكيف سيصدق الشعب نواياه الاصلاحية والوقائع لا تدل إلا على مزيد من الايغال بالدم السوري واعتقال الناس لمجرد هتافهم بحرية سورية، وهل أصبح النداء بحرية سورية تهمة تستوجب القتل والاعتقال والسحل والاهانة، وكيف سيصدق شعب سوريا ونخبه المثقفة والاعلامية ان هذا النظام لديه نية في تشريع قانون جديد للاعلام وهو يقيل السيدة سميرة المسالمة رئيسة تحرير جريدة تشرين الحكومية لمجرد مطالبتها بمحاسبة رجال الأمن “اذا” ثبتت مسؤوليتهم عن قتل الناس، ويعتقل الكاتب فايز سارة، ومراسل العربية زيد مستو، ويمنع كل وكالات الانباء العربية والعالمية من العمل نهائيا في سوريا.
الاصلاح السياسي في سوريا يعني أول ما يعنيه انهاء سيطرة حزب البعث الفاشي على مقاليد الأمور في سوريا، وافساح المجال أمام قانون أحزاب عصري، وترسيخ تداول السلطة السلمي الذي لم يأت النظام على سيرته بالمطلق، واجراء انتخابات نزيهة وشفافة تحت رقابة القضاء السوري بعد أن يصبح مستقلا عن السلطة التنفيذية ومعه السلطة التسريعية التي سخر العالم كله من ممثليها المعينون من قبل أجهزة الأمن وفروع الحزب، حيث تسابق المنافقون في مديح يهبط بمستوى الممدوح أكثر مما يرفعه، ويقلل من هيبته أكثر مما يزيدها، والاصلاح الاقتصادي في سورية أساسه الخلاص من سيطرة العائلة وأذنابها والمتزلفين لها على الاقتصاد السوري بفروعه كافة، والاصلاح الاعلامي أول شروطه القضاء على أبواق النظام وفسح المجال أمام المؤسسات الاعلامية الممولة من قبل دافع الضرائب السوري لتكون للجميع، سلطة ومعارضة بالتساوي، والاصلاح الاجتماعي أول مبادئه العمل على ترسيخ الوحدة الوطنية وليس محاولات مكشوفة لزرع بذور الفرقة والشقاق بين مكونات الوطن الواحد.
عكس هذه الأمور تماما هو ما عاشه وعاناه الشعب السوري على مدار أكثر من أربعين عاما في ظل حكم الأسد الأب والابن، دفع خلاله شعب سوريا خيرة أبناءه على مذبح الحرية والكرامة، ولا أغالي اذ قلت أن حجم المعاناة السورية وبالأرقام لم يعاني مثلها أي شعب آخر في منطقة الشرق الأوسط باستثناء الشعب العراقي الذي كان ضحية لذات البعث الفاشي بنسخته الصدامية، حتى معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال تهون كثيرا أمام معاناة الشعب السوري في ظل حكم العائلة الأسدية، وعليه اذا ما أراد الشعب السوري أن يتجاوز معاناته باتجاه سورية حرة ديمقراطية أن يطالب باسقاط النظام وهو ما بدأه فعلا منذ دخول ثورته أسبوعها الثالث، وهو ما يبدو انه مصمم عليه في أسبوع ثورته الرابع رغم كل القتل والاعتقالات والتعتيم الاعلامي، وهو لن يبخل بشيئ حتى تتوج ثورته بالحرية مثلما توجت ثورات شعوب أخرى في هذه المنطقة من العالم.