صفحات سورية

كي لا تأكل الثورة السورية نساءها


يحيى الأوس

خلقت الثورة السورية المشتعلة منذ تسعة شهور قياداتها الجديدة على صعيد الشارع وبات من المؤكد أنها في طريقها لسحب البساط من تحت أقدام القيادات القديمة وأقصد هنا الزعامات التقليدية التي نشأت في ظل النظام حتى أصبحت على شاكلته تتكلم لغته وتستخدم مفرداته. حتى قيادات الحركة النسوية التي ظلت لفترة طويلة تتصدر المشهد النسوي في سورية، هي اليوم مهددة بفقدان مكانتها فلا هي قادرة على مواكبة ما يجري في الشارع من جهة، ولا هي قادرة على تطوير خطابها الإعلامي – على الأقل- لتواكب الثورة السورية من جهة أخرى. ولئن كانت قد أبدت تعاطفا خجولاً مع مجريات الأحداث، إلا أن هذا لن يسمح لها منذ الآن وصاعدا بالبقاء في موقعها في وقت ظهرت فيه شخصيات نسوية جديدة انبثقت من قلب الحراك وانتزعت اعترافا بوجودها ليس من الشارع وحسب ولكن من مختلف التيارات التي تسير في ركاب الثورة.

فللمرة الأولى منذ عقود تعلو المشهد السوري سيدات مستقلات بلا خلفيات سياسية، خلافا لما عرفته البلاد من تسيد النساء اليساريات لواجهة العمل النسوي في العموم، فالنساء الجدد القادمات من رحم الحراك انخرطن منذ الأيام الأولى في العمل الميداني اليومي إلى جانب الرجال ودون استئذان، ليحطمن بذلك واحد من أشد الخطوط التي كان الرجال يحتكرونها، فما حدث لم يكن مجرد انتزاع حق المشاركة في العمل السياسي الذي ظلت المرأة على هامشه لفترة طويلة بل هو أبعد من ذلك، فقد انتزعن شرف العمل الميداني في واحدة من أسوأ المراحل التي يمكن للمرأة أن تعايشها في تاريخ سورية واقصد هنا الظروف الأمنية والمجتمعية المنفلتة خاصة في المناطق المتوترة.

على أن انعدام الخلفية السياسية لمعظم هؤلاء النساء لا يلغي تأثرهن بطبيعة الحراك الذي أكره على ارتداء اللبوس الديني، وهو ما يعزز مخاوف من يعتقدون بأن الدفع باتجاه إشراك النساء في الحراك الدائر في الشارع لا يعدو سوى أن يكون تكتيك سياسي تتبعه التيارات الإسلامية لعبور المرحلة الحالية. إلا أن وقفة متأنية تكفي لتبديد تلك الشكوك مع ما أحدثنه هذه المرحلة من تبدل يمكن تلمسه في المزاح العام بالنسبة للتجمعات أو التيارات الإسلامية التي تقبلت مشاركة المرأة في الشأن الميداني لما يدور على الأرض، لا بل أن هذه التيارات لجأت إليه ودعمته لتأجيج الحراك ولخصوصيات تتعلق بردات الفعل الأمنية الأقل حدة تجاه هذه التحركات النسوية نظرياً، بغض النظر عما واجهته التظاهرات النسوية من ردات فعل عنيفة من قبل قوات الأمن أودت بحياة نساء وأدت إلى اعتقال أخريات لفترات زمنية متفاوتة.

هذه المخاوف ظلت على الدوام تتأيد بالحديث عن تصاعد سقف مطالب الحركات الإسلامية التي ينظر إليها بريبة كبيرة يعبر عنها بخشية حدوث انتكاسات على صعيد الحقوق المدنية عموماً، وعلى وجه التحديد ما يتعلق منها بحقوق المرأة، مع العلم بأن واقع الحال في سورية بالنسبة لمكتسبات المرأة يختلف عن مثيله في تونس – على سبيل المثال- إذ لا يمكن القول بأن هناك مكتسبات مستهدفة من قبل التيارات الإسلامية في حال نجحت هذه الأخيرة في الوصول إلى السلطة، بل على العكس، فما تحقق للمرأة السورية لا يلامس المحظورات الدينية حتى بالنسبة للجماعات الدينية المتشددة ناهيك عن المعتدلة، لا بل قد نذهب إلى أن الحركات الإسلامية المعتدلة قد تكون في ظرف تاريخي ما أكثر قدرة على إحداث انفراجات على صعيد حقوق المرأة من الأنظمة التي تدعي العلمانية لكنها لا تنفك تغازل المرجعيات الدينية وتتحاشى غضبتها.

بين ما كان وما سيكون هناك ثورة اجتماعية غير مسبوقة فتحت الطريق أمام هدم القيود التي تعزل المرأة عن الحياة العامة، فللمرة الأولى لا يقف الرجل والمرأة على طرفي نقيض، بل كليهما جزء منها، وما المطالب التي رفعتها النساء كالديمقراطية والمواطنة والحقوق المدنية سوى جزء من المطالب العامة لهذه الثورة، الأمر الذي يجعل منها شريك فاعل، وما يجب اقتناصه في هذه المرحلة هو هذه الفرصة التي تلوح للنساء السوريات بمختلف مشاربهن المتعلمات منهن وغير المتعلمات، المحجبات وغير المحجبات، الثريات والفقيرات، من أجل الحصول على حقوق مهضومة منها الاجتماعي ومنها السياسي.

‘ اعلامي سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى