صفحات العالم

سوريا لعبة الأسد!


محمد الرميحي

يحلو لبعض المتابعين أن يتصوروا أن الحل الأقرب لساحة القتل والاستباحة في سوريا هو حل مشابه للحل اليمني، وأرى أن ذلك أضغاث أحلام، ففي عقل النظام الأسدي قاعدة لن تتزحزح، أن سوريا ملك لي، وقد ورثها لي أبي، وأنا غر صغير، ومعها مجموعة من المفردات، منها الوطن في خطر، والممانعة، والخونة الخارجون عن الطاعة، هي مفردات جاءت مع التوريث، فسوريا في نظره لعبة، ولن يتركها لأحد، وإن قرر أحد أخذها منه – حتى الشعب السوري – فإنه سوف يحطمها غير مكترث بالخسائر وزهق الأرواح ولا ما يكتب التاريخ!

سوف يتعب كثيرا الأخضر الإبراهيمي في جولاته، وسوف تشرف مفرداته الدبلوماسية على الجفاف بعد حين؛ حيث لن يجد كلمات تعبر عن ما يشاهد ويسمع، في لعبة الأسد هناك شيء اسمه (المعارضة الداخلية) وهو جزء من اللعبة كانت هناك منذ أن اصطنعها الوالد، تخرج للعلن متى ما أراد وتختفي متى ما أراد، فمن التناقض القول، إن نظام الأسد له معارضة، غير من منهم في السجون. المعارضة الممنهجة كان يسميها الوالد الجبهة الوطنية، وتتمثل في الحكم شكلا، إلا أن ذلك التمثيل كان اتباعا وزوائد لا غير. فحضور بعضهم للحديث مع الإبراهيمي على أنه معارضة داخلية، خدعة مكشوفة وذراع احتياطية، يصدقها من لا يزال يدرج في السياسة سنواته الأولى. فحديث الإبراهيمي مع المعارضة الداخلية هو حديث مع الوجه الآخر للنظام، لا غير.

في الحديث الذي أدلى به اللواء المنشق مناف مصطفى طلاس للإذاعة البريطانية الأسبوع الماضي مفتاح لمن يريد أن يعرف كيف يتعامل النظام مع المختلفين، يقول طلاس إنه استقبل بعض المحتجين من المدنيين بناء على رغبة الأسد في الأشهر الأولى من الانتفاضة، وتحدث معهم، وأيضا ضرب لهم موعدا مع بشار، وبعد خروجهم مباشرة اعتقلتهم الأجهزة الأمنية، وزجت بهم في الأقبية، وتعرضوا للتعذيب، فلما سأل عنهم مسؤول البروتوكول في القصر الجمهوري، أخبروه أنه ليس باستطاعتهم إحضارهم لأنهم مثخنون بالجروح من جراء التحقيق معهم!!

هذا شاهد من الداخل. أما الشواهد الأخرى فهي علنية، فعدد القتلى حتى اليوم من السوريين، وعدد المشردين في الداخل وعدد اللاجئين إلى الدول المجاورة معروف على وجه الدقة، وهو كاف لمعرفة طريقة الأسد القمعية والوحشية في التعامل مع المخالف له، كما أن ضرب المدن بقذائف الطائرات مشاهد للكافة كل يوم على شاشات المحطات الفضائية، وأمام كل ذلك المشهد القمعي، فإن أي عاقل لا بد أن يرى أن الطريق اليمني مغلق أمام الأسد. المفتوح هو فقط الطريق الدموي. شعب مل التسلط والقمع ومسؤولون يقفزون من السفينة الغارقة، وصاحب اللعبة لا يريد أن يرى أو يسمع.

النظام في دمشق يراهن على الجنرال وقت، فالوقت كما يعتقد، منذ اندلاع الاحتجاجات على حكمه، هو زمن يسير لصالحه، لقد وعد حلفاءه أنه سوف يقضي على المقاومة في أسابيع قليلة، ويعيد السوريين، كل السوريين إلى قفص الطاعة، وإلى مزرعته الخاصة التي ورثها من الأب، ولم يفلح ذلك الوعد؛ حيث إن الجنرال وقت، قرر أن يلعب لعبته لصالح الشعب السوري، فكلما أثخنهم الأسد بالجراح وسلط عليهم الطائرات، زادوا في المقاومة ويقينا بالانتصار. في وقت ما ظن النظام في دمشق أن عسكرة الاحتجاجات سوف تقدم له ذريعة أمام العالم لضربها بالقوة، ولكن مرة ثانية سارت الأمور بعكس ما يشتهي، فكلما استخدم السلاح زادت المقاومة من نوع سلاحها، وطورت في أشكال الاشتباك حتى أبواب قصوره، فهو يسمع كل ليلة في دمشق أزيز رصاص المحتجين، بجانب صيحات الأمهات الثكلى.

يصرف النظام من كل الرصيد الذي راكمه في مخزون الخداع الطويل والممل، فقد قال إن المقاومين هم مراهقون يدفع لكل منهم عشرون دولارا حتى يقوموا بما يؤمرون به، وانتهت تلك الذريعة سريعا، حيث بدأت، ثم قال أيضا إن هناك عصابات خارجية، فتبين أن من يقاوم هو من الشبان السوريين، والجرحى الذين انتقلوا إلى الجوار يثبتون بشكل واضح أن المقاومة سوريا؛ لأن كل ضحاياها سوريون. ثم لجأ إلى القول إن سلاحا يأتي من لبنان، وقرر أن يفجر لبنان من الداخل عن طريق عملاء له، ففشلت الخطة باكتشاف العملاء.

الطريق مسدودة أمام النظام الأسدي في دمشق إذ يؤكد رئيس وزراء تركيا: أن النظام ساقط. المراهنة الآن على كم من الرجال والنساء والأطفال سوف يسقطون قبل أن يسلم النظام مفاتيح دمشق، وما هي العقوبات التي سوف تطال رجال النظام الذين لطخوا أيديهم بدماء الشعب، وكم من الأرامل والأيتام سوف تضاف أرقامهم قبل السقوط.

المخرج ليس على الطريقة اليمنية، وإن كان الأخضر الإبراهيمي يفكر في هذا الطريق فهو بالتأكيد في السكة المسدودة. المؤسف أن المشهد السوري سيبقى دمويا حتى آخر لحظة، ومن هنا فإن نهايته سوف تكون دموية أيضا، فالأسد يطلق النار على رجليه، وكلما سقط شهيد ارتفع إطلاق النار إلى أعلى من الرجلين، وسوف يظل يطلق النار حتى تصل إلي رأسه لا محالة.

بالعودة إلى حديث طلاس الذي لمح فيه أن هناك كثيرا من الضباط في الجيش السوري لهم رأي مناوئ لرأي النظام وأفعاله، فإن كان ثمة رجال كهؤلاء فالوقت ليس في صالحهم، فكلما تأخروا سقط شهداء على درب التحرير في سوريا وزادت شبهات التصاقهم بالنظام.. بتزايد الشهداء يرتفع ثمن حريتهم، وبارتفاع أعدادهم تغلظ نوعية القصاص لمشاركين في قتلهم. ومن الواضح أن الأب لم يستطع أن يورث الابن قراءة التاريخ، فلم يكن هناك أقوى من جهاز الأمن السري لشاه إيران، لم يكن هناك أكثر شراسة من الجهاز السري لشاوشيسكو، كلاهما وغيرهما سقط، كما سقط جهاز الأمن للعقيد المعتوه معمر القذافي.

آخر الكلام:

بدت الأنظمة التي تولت السلطة في دول الربيع العربي مرتبكة أمام أحداث الأسبوع الماضي، بين موقف أيديولوجي كثيرا ما رعته، وبين موقف الدولة، لذا فقد بحثوا عن كبش فداء، بعد أن هدأت العاصفة، ولكنهم لم يجدوا غير الكبش القديم، مهاجمو السفارات مأجورون ومندسون..! قولوا شيئا يعقل!!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى