سوريا.. ما بعد الأسد
طمأنة الجيش والأقليات الموجودة في سوريا تحتل حيزا واسعا في رؤية المعارضة السورية لـ«الدولة المنتظرة»
بيروت: ليال أبو رحال
تبدو المعارضة السورية، بعد الحراك العربي باتجاه حل الأزمة السورية والتصعيد الدولي الحاصل على أكثر من مستوى، واثقة من قدرتها على الانتقال بسوريا في القريب العاجل إلى مرحلة جديدة تبدأ بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة. ولهذه المرحلة خطة عمل، واضحة العناوين والأهداف والآليات، على أن تكون صياغة مضمونها النهائية، وفق ما علمته «الشرق الأوسط» رهن مؤتمر وطني سوري تعقده المعارضة السورية، بمختلف تلاوينها ويعمل المجلس الوطني على ترتيبه في الأيام القليلة المقبلة في القاهرة برعاية جامعة الدول العربية، يحضره الأمين العام نبيل العربي أو من يمثله للإعداد للفترة الانتقالية وما بعدها.
ومن المقرر أن يبحث الاجتماع، الذي يحضره المجلس الوطني بمكوناته المتعددة ومجموعة من الرموز السورية الوطنية وبعض الأطراف السورية غير الممثلة في المجلس، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني السوري من أجل نقاش ورقتي عمل اثنتين: الأولى رؤية المعارضة السورية للمرحلة الانتقالية، والثانية رؤيتها السياسية لمعالم سوريا الجديدة.
وينطلق عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري الدكتور أحمد رمضان، في حديث لـ«الشرق الأوسط» من التأكيد على أن «المعارضة السورية اليوم في ظل الحراك الشعبي والثوري في الداخل والرموز الوطنية كافة هي في أفضل اللحظات التي يقتربون فيها من بعضهم البعض ويتوقون إلى مرحلة مشتركة»، مؤكدا أن «ثمة اتفاقا اليوم على ثلاث نقاط بين السوريين، وهي إسقاط النظام بكل رموزه ومكوناته، رفض الحوار مع النظام وكل من تلوثت أيديهم بالدماء، إضافة إلى أن سوريا الجديدة ستكون دولة ديمقراطية وتعددية ومدنية».
يصر رمضان على تمسك المجلس الوطني بأن تبدأ المرحلة المقبلة بـ«تسليم الأسد السلطة لأحد نائبيه (فاروق الشرع أو نجاح العطار)، على أن تبدأ مفاوضات المرحلة الانتقالية مع أحدهما، أو مع أي شخصية أخرى في السلطة لم تتلوث أيديها بالدماء، ليصار بعدها إلى تشكيل هيئة قيادية من مكونات المعارضة السورية وممثلين عن المجتمع المدني، تعمل على وضع قانون انتخاب مؤقت واعتماد دستور مرحلي، وتدعو إلى إجراء عملية انتخابية، يتحول معها المجلس الوطني إلى هيئة برلمانية مؤقتة لمساعدة الحكومة، خلال فترة انتقالية نأمل ألا تزيد على ستة أشهر».
وفي سياق متصل، يصف المحلل والكاتب اللبناني النائب نهاد المشنوق «المجلس الوطني السوري» بأنه «الممثل الرسمي للثورة السورية، إذ يضم خيرة من الوجوه الحضارية والتمثيلية لمعظم فئات الشعب السوري»، من دون أن يمنعه ذلك عن التأكيد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على «وجود بعض المقاعد الشاغرة داخل المجلس ينبغي أن يدعو آخرين لملأها وإن اختلف معهم في وجهات النظر»، معربا عن اعتقاده أن «الاعتراف الأوروبي وتحديدا الفرنسي بالمجلس الوطني لن يحصل قبل ملء هذه الشواغر».
وفي حين يؤكد رمضان أن «الرؤية السياسية لسوريا الجديدة تقوم على بناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية، ترتكز على انتخابات حرة وتحترم حقوق الإنسان والحريات العامة، فضلا عن تأسيسها على مبدأ المواطنة للجميع وعدم التمييز بين أي مواطن وآخر على أساس العرق والطائفة»، يسهب المشنوق في الحديث عن وجوب اعتبار المعارضة السورية «عروبة سوريا أولوية في كل المراحل، وبشكل خاص في المرحلة المقبلة، لأن المد الفارسي الذي يصدح صوته من الشام وصل في وقاحته إلى حد استعمال كلمة الأعراب، التي يفسرها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بأنها (مجموعة تقضي على الحضارة أينما وصلت)».
ويشير المشنوق إلى أن «هذا العقل الأقلي يريد إعطاء انطباع بأن العروبة تقف في وجه الأعراب، ومن هنا أهمية التأكيد على عروبة سوريا في ظل ظروف عربية مواتية تجعل 18 دولة عربية تقف إلى جانب الثورة السورية، ما عدا الدولتين المحتلتين: اليمن من نظام علي عبد الله صالح ولبنان من المرشد الأعلى لمنطق غلبة السلاح».
في موازاة ذلك، لا تزال أسئلة كثيرة تحيط برؤية المعارضة السورية لعدد من المواضيع الداخلية والملفات الخارجية الشائكة، خصوصا مع رسم النظام السوري ومن يحيط به صورة قاتمة لما سيكون الوضع عليه فيما لو تداعت أوصاله. وفي هذا الإطار، يلفت رمضان إلى أن «المواطنين السوريين بمجملهم، من مدنيين وعسكريين، مضطهدون في ظل هذا النظام، وبالتالي فإن أي نظام جديد سيكون أفضل منه بكثير، وهو سيشكل بالتأكيد مظلة وطنية تدافع عن الدولة وشعبها ومصالحها، من دون أن يكون طرفا في أي أزمة داخلية أو خارجه».
وفي حين يكرر دعوة المعارضة السورية «العسكريين لعدم التورط بدماء المدنيين السوريين وعدم مواجهة المتظاهرين»، مشددا «على ألا انتقام من أحد لمجرد أنه كان جزءا من مؤسسة تابعة للنظام في المرحلة المقبلة شرط ألا يكون قد تورط بسفك الدماء». أعرب المشنوق عن اعتقاده بأنه «لم يعد بالإمكان انتظار حدوث انقسام عسكري جدي فيما لم يكن هناك ملجأ أمن وجهة راعية»، متوقعا أن «يستمر النظام السوري في السير بتجاهل وجود الشعب السوري الثائر من أجل حريته وعدالته وعزته وكبريائه، كما وصفه البيان الأول والأخير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز».
إلى جانب طمأنة الجيش، تحتل طمأنة الأقليات الموجودة في سوريا حيزا واسعا في رؤية المعارضة السورية لـ«الدولة المنتظرة»، لا سيما في ظل ما يتم تداوله بأن أي نظام بديل لنظام الأسد لن يلحظ وجود أقليات مسيحية أو كردية أو علوية. ويشدد المشنوق، الذي يصر على أنه «ليس في موقع الناصح لأشرف التجارب الثورية العربية المستمرة في مواجهة نظام ديكتاتوري منذ 8 أشهر»، على أهمية إيجاد المعارضة «لصيغة متماسكة فكريا وإنسانيا، تطمئن الأقليات بأن هذه الثورة لها وليست عليها». ويتابع: «هناك نصوص عدة صادرة عن المفكر السوري ميشيل كيلو، يمكن الاستناد إليها واعتمادها باعتبارها الأكثر عمقا في فهم مسألة الأقليات في الشرق، وليس في سوريا فحسب، من دون أن يعني ذلك الوقوع في التزامات دستورية مسبقة تتجاوز حق المواطنة المتاح لجميع السوريين، لأننا نريد للتجربة السورية أن تكون قدوة بعيدا عن الأمراض اللبنانية الدستورية تحت شعار (خصوصية هذا المجتمع أو ذاك)».
وفي رد على مقاربة المشنوق لمسألة الأقليات في سوريا، يؤكد رمضان «رفض المجلس الوطني استخدام تعبير (أقليات) باعتباره ينتقص من حدود المواطنة، ونظرا لأن الدستور سيكفل للمواطنين حقوقهم الأساسية ويجعلهم متساوين أمام القانون»، مطمئنا كل المكونات السورية بأنها «ستكون شريكة في الحياة المدنية والسياسية، ولا تفضيل لأحد على سواه». ويضيف: «من الأرجح أن الدستور سينص على تطمين إضافي للأكراد، الذين تعرضوا للاضطهاد في ظل نظام الأسد، وسيؤكد على احترام حقوقهم».
من جهة أخرى، لا تغيب المعارضة السورية عن رسم ملامح سياسة سوريا الخارجية في مرحلة ما بعد إسقاط النظام، الذي يذهب المشنوق إلى حد وصفه بأنه بات «نظاما سابقا، وسيبنى على الشيء مقتضاه». ووفق المجلس الوطني، فإن «سوريا الجديدة ستبتعد في سياستها الخارجية عن أداء أدوار وظائفية بغض النظر عن مصلحة الشعب السوري، كما هو حال النظام القائم راهنا»، على حد وصف رمضان الذي يجزم بأن «السياسة الخارجية المقبلة لسوريا ستكون موجهة من أجل حماية المصلحة السورية والشعب السوري، وستحترم حقوق الجوار والعلاقات مع الدول العربية الشقيقة والصديقة، مع إصرارنا وتصميمنا على أن سوريا يجب أن تكون عنصر استقرار في المنطقة بعيدا عن خوض أي نزاعات أو محاولة الدخول في سياسة المحاور».
وفي هذا السياق، يشدد المشنوق، وهو من أحد الذين عايشوا سنوات الوصاية السورية على لبنان وكان من أكثر المطلعين على تفاصيل تعاطي النظام السوري مع رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري لكونه من أكثر الشخصيات التصاقا به، على أنه من الضروري بمكان أن «يؤكد المجلس الانتقالي السوري على التزامات سوريا الدولية، وأهمها إن لم يكن الوحيد إذ إنه ليس لهذا النظام أي التزامات معلنة، فك الاشتباك في الجولان إلى حين إجراء انتخابات حرة في سوريا يقرر فيها الشعب السوري خياراته الاستراتيجية في مسألة الحرب والسلم، وذلك تعطيلا لمحاولات لوبيات الضغط الإسرائيلي في العالم العربي، والتي تسوق لفكرة أن الشعب السوري سيذهب من الحرية التي سينتصر بها إلى نظام سياسي لا هم له إلا استعادة العناوين العفنة على غرار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)».
إلى ذلك، كشف المشنوق عن أن «الرئيس الأسد، وفي محادثاته الأخيرة مع وفد الجامعة العربية دخل معهم في مناقشة حول تعريف كلمة (المدينة) وتعريف (القوات المسلحة)، باعتبارهم يحتاجون إلى دروس في اللغة العربية». وأعرب عن اعتقاده بأن «التدويل أصبح مسألة أسابيع»، متوقعا أن يصار إلى وضع «ورقة عربية – أوروبية في غضون الأسبوع المقبل، تقر في اجتماع فرنسي، وتنظم على الأرجح تدخلا دوليا يبدأ بإقامة منطقة عازلة على الحدود التركية – السورية والحدود الأردنية – السورية، مما يفسر بالتالي الإعلان عن بدء قوات الأسد زرع ألغام على الحدود مع الأردن».
وذكر المشنوق في سياق متصل، بأن «اتفاق أضنة» الذي وقعه الرئيس الراحل حافظ الأسد أعطى الجيش التركي حق التعقب على الحدود المشتركة لمسافة 15 كلم من أجل مطاردة فلول القوات الكردية المعادية للنظام التركي.
في سياق أخر، أثنى المشنوق على الدور القطري متحدثا عن «قوة قطرية ناعمة ترتكز على أربعة عناصر: الإعلام والإمكانيات المادية والحيوية الفائقة لدبلوماسيتها والأهم أن هذه الحركة تحظى برعاية وموافقة كاملة من السعودية».
وفي حين يكتفي رمضان بالإشارة إلى أن «سوريا الجديدة ستكون دولة آمنة مستقرة وعادلة، وكل ما تحت رايتها يستند للقانون أولا وأخيرا»، يتوسع المشنوق في رسم معالم المشهد السوري في الأسابيع المقبلة، حيث يتحدث عن «حظر جوي من قبل قوات مشتركة عربية، وإن رمزية، وغربية لمنع الطيران العسكري من قصف القوات السورية المنشقة عن النظام وتحقيق التكافؤ في القتال بين قوات الأسد والمنشقين»، مشيرا في الوقت عينه إلى أن «الأفراد في الجيش السوري لا يمتلكون أكثر من 10 طلقات نارية فقط لا غير».
واعتبر المشنوق أنه من «سوء الحظ أن الحل العسكري هو المقبل على سوريا، على الرغم من كل ما يقال وبتجاوز لموقفي الصين وروسيا»، وشدد على أن كل «ما يشاع عن تهديدات إيرانية عسكرية أو إطلاق صواريخ من لبنان أو من سوريا على إسرائيل لن يحدث، وفي حال حدثت فهي لن تنقذ النظام السوري من نهايته المحتومة».
وينظر مراقبون كثر ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات على صعيد المشهد السوري، وفي اعتقاد المشنوق فإن «النظام يسير إلى نهايته المحتومة انطلاقا من المسار التاريخي الطبيعي، وبسبب عدم اعترافه بحقوق شعبه الأساسية»، متوقعا أن «تكشف الأيام المقبلة عن مدى فظاعة الجرائم التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري في السنوات الأربعين الماضية».
الشرق الأوسط