سوريا: موقف أخلاقي
حسان الزين
لست مع المحاربين في سوريا، ولا مع النظام. أنا مع الشعب، مع حقوقه، مع حريّته والديموقراطيّة.
العسكرة والدمويّة وأعمال العنف الطائفيّة والمذهبيّة وما تؤسس له، أو ما تهدف إليه، أمور تجعلني أكثر في هذا الخيار. أنا مع الشعب. وهذا محرج سياسيّاً، وربما هو هامشيّ أيضاً. ولنفترض كذلك، أما أخلاقيّاً فلا حرج. لا حرج في الوقوف ضد نظام شمولي. ولا حرج في الوقوف ضد محاربين عنيفين طائفيين ومذهبيين لا نعرف ارتباطاتهم وأهدافهم.
ولست أهرب حين أقول أنا مع الشعب، مع حقوقه، مع حريّته والديموقراطيّة. بل على العكس، أحسبها مواجهة مزدوجة.
وأنفر من كذبة مَن يحاول أن يخيفني من المحاربين وممن خلفهم، ومن مآربهم الأصوليّة والعنيفة والاستخباريّة والتبعيّة، ليجعلني مع النظام، أو ليجعلني أقف حائراً في ظلّه، حتى ولو تحجج بأن ذاك النظام دعَمَ المقاومة في لبنان وفلسطين ويدفع ثمن ذلك.
في المقابل، أنفر من النظر إلى النظام وتاريخه في السياسة والاجتماع وفي كل شيء وفي كل حين، في الداخل وفي الخارج، لأنسى بؤس خصومه والمذهبيّة التي تفوح من حولهم.
لست مع هذا ولا مع ذاك. أنا مع الشعب، مع حقوقه وحريّته والديموقراطيّة. أقول هذا، وإن كانت ترعبني فكرة أن المعارضين الديموقراطيين الذين كانوا ضحايا النظام والتواطؤ الداخلي والخارجي معه، هم الآن، كما المواطنون، ضحايا الجبهتين، ضحايا العنف، ضحايا القمع والأصوليّة والمذهبيّة، وربما، بل الأرجح، أن يكونوا ضحايا «الفائز».
أعرف أن هذا كلام أخلاقي، أكثر مما هو سياسي في السوق. لا مشكلة في ذلك. فأنا لست حزباً، ولا حزبيّاً. أنا مواطن. مواطن عربي. ولا أراها ستخرب أكثر مما هي خربانة.
لا تغريني علمانيّة النظام ولا كنت أجدها علاجاً يُشفي من الطائفيّة والمذهبيّة، بل على العكس.
وإذ تخيفني أصوليّة المحاربين العنيفين المذهبيين وتبعيّتهم، وتخيفني أيضاً المصالح الأقليميّة والدوليّة والمشاريع تجاه سوريا والمنطقة، أؤمن بالشعب السوري. وأؤمن بأن لا سحر في واقع هذه الأمة وهذه الشعوب. لن تنقلب الأمور في ليلة وضحاها إلى الأحسن والشعوب في هذه الحال، وفي هذه الثقافات الطائفيّة والمذهبيّة والأحاديّة البعد.
وإذ أؤمن بأن لا تطور مع هذه الأنظمة، أؤمن أيضاً بأن لا تطور مع هؤلاء المحاربين، وربما مع هذه المعارضة.
فالاستقرار مع النظام قهريٌّ ودموي وفاسدٌ ومفسدٌ. والفوضى مع المحاربين دمويّةٌ وظلاميّةٌ وتجعلنا مجهولي المسار والمصير. والعلمانيّة القهريّة لا تحمل ولا تولّد إلا فساداً وإفساداً وأصوليّة ومذهبيّة. وترانزيت السلاح والمسلّحين المسمّى دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، لا يحمل ولا يولّد إلا مزاعم ومتاريس في غير مكانها. والنظام الاستخباريّ لا يولّد إلا العنف والعنفيّين. فهم ولدوا منه وتحت سوطه. ولا تبرير في هذا. لا تبرير لأحد.
الموقف من سوريا أخلاقي أولاً. لا نصرةً للضحيّة وحسب، ولا رفضاً للعنف وإراقة الدماء وحسب، ولا نبذاً للطائفيّة والمذهبيّة والظلام والفوضى وحسب، ولا لأن الجبهتين عنيفتان وقاتلتان ومرتبطتان وخطاباهما خداع وكذب وحسب، وإنّما لأن سوريا وشعبها يستحقان الأفضل. لأن الحريّة والديموقراطيّة ليست مع هذا ولا مع ذاك.