سوريا: نظام معزول يستفرد بشعب أعزل والعالم يتفرّج
نوري بريمو
المهتمون بالشأن السوري متفائلون ويجمعون على رجحان الكفة السورية لجهة سقوط نظام البعث بأي شكل كان، ومهما علا سقف التفاؤل فإنّ التغيير السلمي بات خيارا مستبعداً رغم رفع المتظاهرين لأغصان الزيتون في ظل إصرار أهل الحكم على توجيه البنادق لصدور المدنيين العارية وادمانهم على عسكَرَة الحلول وامتهانهم لقمع أهل سوريا بلا أي رادع أو حساب، مما قد يفرض على الساحة سيناريوهات أكثر دموية من تونس ومصر وليبيا.
ومع توسُّع دائرة المظاهرات السلمية وبلوغها شهرها السادس وتزايد العنف السلطوي وعدم اكتراث النظام المعزول نوعا ما بحزمة الضغوط الدولية الخجولة، سيغوص البلد في بحور دماء أبنائه الذين سيصبحون قرابين بشرية في أتون حروب داخلية وقودها مذهبي مفتعل بمفاعيل سلطوية مستعدة لتحويل البلد إلى فرن بشري عبر زرع مختلف الفتَن البينية واستخدام كافة الأجندة والأوراق في سبيل البقاء في كرسي الحكم لعقود زمنية أخرى، وفي سبيل ذلك قد يتسبّب في جرّ منطقتنا إلى حرب إقليمية واسعة وشبيهة بحرب عالمية نظراً لما قد تجرّ إلى خضمها فرقاء وأطراف مختلفة قد تتصارع فيما بينها على النفوذ والهيبة.
مما يعني بأنّ سقوط النظام سيكون داميا في سوريا التي سئم أهلها من مظالمه القاتمة، ومن المتوقع أن يدوم الصراع بين النظام المعزول والشعب الأعزل إلى أجل آخر، وفي هذا الإتجاه سُفِكَتْ ويبدو أنّ أنهراً من الدماء ستُسْفَك لإنجاح هذه الثورة التي طالما انتظرها السوريون بفارغ الصبر لينالوا حريتهم وكرامتهم ويخلصّوا بلدهم من ظلم ذوي القربى الذين يترتب عليهم بحسب كافة المعطيات الميدانية أن يتركوا السلطة وينسحبوا بهدوء ليساهموا في حقن دماء الأبرياء، لكن يبدو أنّ فاقد الشيئ لا يعطيه وأنّ النظام لن يرحل إلا بعد أن يحرق الأخضر واليابس رغم أنه خسر أغلب أوراقه ومعظم عوامل قوته وبات شبه مطوّق بعزلة اقليمية وعربية ودولية مازالت هلامية إلى حد الحرج، في حين يعيش القسم الأكبر من الشعب السوري في حالة ترقب واستنفار ولحظي تحت سياط حالة طوارئ أمنية مفروضة على طول البلاد وعرضها.
وفي الوقت الذي صار فيه لسان حال الشارع السوري يتساءل يومياً: كم عدد شهداء اليوم وماذا عن قتلى الغد وكيف سيتم انتشال الجثث من الشوارع وهل من مجال لمداواة الجرحى؟، ورغم أنّ العسكريتارية صارت اسلوبا معتمدا يطال كل المعارضين وخاصة نشطاء حقوق الإنسان والنُخَبْ الثقافية والسياسية والإجتماعية، فإنّ الانتفاضة السورية استطاعت أن تقلب المعادلة لصالحها وتكسر شوكة النظام وتحطم هيبة قبضته الأمنية التي تراهن على طغيان منطق القوة على الأرض بدلا من الاحتكام لقوة المنطق والاقناع كأسلوب سلمي في التغيير الديمقراطي الذي كان وسيبقى مطلبا لكل السوريين بعربهم وكوردهم وباقي أطيافهم العرقية والدينية والمذهبية.
ولا يختلف اثنان بأنّ الراهن السوري الذي يجسّد مدى فداحة انتهاك النظام لحقوق الإنسان وخرقه للقوانين الدولية ونسفه لتعاليم مختلف الأديان السمحة، يؤكد بما لا شك فيه بأنّ الشعب السوري سيبقى متمسّكا بالطابع السلمي لحراكه وسيستمر في ثورته ولن يأبه بممارسات النظام الذي اضطر أن يطلق بشكل يومي عبر وسائل إعلامه نداءات للمواطنين تطلب منهم عدم المشاركة في المظاهرات المطالبة بإسقاطه
ومع وصول الانتفاضة السورية إلى هذه المرحلة المتقدمة بكل معنى الكلمة، حيث جرى تسمية هذه الجمعة بعد هذا المشوار الطويل والشاق باسم (جمعة ماضون حتى النصر)، بمقدورنا أن نلحظ مدى عظمة هذه الثورة وتعاظم الحركة الإحتجاجية لجهة المضي قدما حتى النصر وامتداد رقعتها لتشمل جميع المدن والبلدات والقرى وباتجاه علو سقف شعاراتها التي باتت تطالب علناً وفي قلب المظاهرات وفي مرمى أسلحة الأمن والشبيحة بتوفير الحماية الدولية للمدنيين، وبمقابل ذلك نرى بأنّ قوة النظام الحاضر بجيشه في الشارع قد أضحت في عدّها التنازلي وقد تنقلب نتيجة المعادلة بالضد منه نظرا لازدراء العالم من سلوكه العنفي وبسبب استفراده بالشعب وتسويفه للحلول ورفضه لكافة النصائح والمبادرات الداخلية والخارجية.
في كل الأحوال ومهما ساءت الأوضاع، فإنّ الراهن السوري بكل تجلياته وتداعياته يوحي إلى أنّ النظام سينهار أمام صمود الشعب السوري الذي يستحق أن يتنفس الصعداء بعد هذه الجولة الدامية وأن ينال فرحة الفوز بنتيجة هذه المباراة التي قد لا تتكرر.