سوريا والإخوان وضاحي خلفان
مشاري الذايدي
في الأزمة السورية تجلت كل تناقضات المنطقة وصراعات العالم، للأسف كان هذا على حساب الدماء والأحزان السورية اليومية.
لاحظنا كيف انتقل حسن نصر الله وأنصار محور الممانعة من التبشير والتهليل بسقوط نظام مبارك وبن علي إلى تخوين الشعب السوري بعدما حاكى ما فعله المصريون والتوانسة بالضبط!
حتى يكون المرء منصفا، فليس الأمر حكرا على هذا الطرف أو ذاك، أيضا هناك من كان منزعجا، بالحسبة السياسية المصلحية، من سقوط نظام مبارك لصالح تيارات معادية للسياسات الخليجية العامة في المنطقة على رأسهم الإخوان، خصوصا بعد الترحيب الحار من قبل المرشد خامنئي بما جرى في مصر، وهذه حسبة سياسية بحتة.
قبل أيام أطلق قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان سلسلة تصريحات ومواقف ضد جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر وتونس، وكانت شرارة هذه المواجهة بعدما اشتبك فضائيا مع «مرشد» الثورة الإخوانية، يوسف القرضاوي، الذي صال وجال، وأرعد وأزبد، ضد دولة الإمارات التي له معها «ثأر» قديم، بعدما منعته سابقا من دخول أراضيها، فلم تتقبل نفس الشيخ القائد أن تتجرأ عليه دولة ما!
خلفان رد الصاع صاعين، بعد التصريحات النارية القرضاوية ضد دولة الإمارات مستغلا – أي القرضاوي – حادثة تخص بعض المقيمين السوريين الذين منعوا من القيام بمظاهرة حتى ولو كانت مؤيدة للثورة، جريا على سياسة البلد في منع هذا السلوك، وقيل إنه تم إبعاد البعض بسبب عدم حصولهم على أوراق إقامة قانونية، ثم بالغت الدعايات بالقول إن الدولة تريد تسليمهم لنظام الأسد القاتل، فثارت ثائرة الشيخ الخطيب، ورد عليه الجنرال خلفان بقوة وهدده بالبوليس الدولي، لتأتي نصرة القرضاوي من جماعة الإخوان في مصر وتشن حملة ضارية على دولة الإمارات عبر الناطق باسمها محمود غزلان، الذي هدد دولة الإمارات بغضبة الأمة الإسلامية كلها بسبب غضبة الإخوان، كما قال العرب قديما:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا!
واصل الفريق خلفان هجماته على جماعات الإخوان المسلمين، وصرح في جريدة «الشروق» الجزائرية بأنه يجب منع وصول الإخوان للحكم في سوريا أيضا، رغم أن موقف دولة الإمارات الرسمي هو مثل موقف بقية دول الخليج المؤيد بقوة للثورة السورية والمناوئ لنظام الأسد، وهنا نصل إلى: كيف تصل الخصومة مع طرف ما إلى الذهاب بعيدا في الالتزام الجدالي والسجالي.
الإخوان شعروا بالنشوة فشنوا حملة على الإمارات، والإمارات محقة في الخشية من مشاريع الإخوان، لكن ماذا عن الحالة السورية؟
شخصيا كنت وما زلت ضد الخيارات السياسية والفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، وأعتقد أنها من أكثر الكوارث الفكرية والاجتماعية والسياسية التي حدثت لشعوب هذه المنطقة في القرن المنصرم، وتشبه في ديمومة أضرارها على العقل والتحرر، أضرار المفاعلات النووية المعطوبة!
وأظن أيضا أنها من أكثر التيارات حضورا في المعارضة السورية، لكن هذا شيء وتقويم الموقف المصلحي السياسي من بقاء أو رحيل نظام الأسد شيء آخر.
أظن أن جماعة الإخوان السوريين أقل نسخ الإخوان سوءا وضررا على دول الخليج والعرب عموما لعدة أسباب، منها:
علاقتهم القديمة والوثيقة بإسلاميي تركيا وجماعة العدالة والتنمية بكل ما يعنيه ذلك من استلهام التجربة الأفضل للإسلاميين في المنطقة في فهم العلاقة بين الدين والسياسة وتجذر فكرة التنمية والتصالح مع العلمانية، كما بشر بذلك رجب طيب أردوغان في مصر نفسها بعد فوز الإخوان وغضب منه إخوان مصر بسبب ذلك.
ومنها أن علاقة إخوان سوريا بإيران هي علاقة عدائية بسبب تحالف النظام مع ملالي طهران، بل تبعية نظام بشار للمرشد والولي الفقيه، عكس العلاقة الحميمية لإخوان مصر وتونس وغزة مع النظام الخميني.
ومنها أن طول الهجرة في المنافي الغربية لقيادات الإخوان في أوروبا وأميركا علمهم التعامل مع فكرة الديمقراطية والتصالح معها.
وأخيرا لنتذكر أن المراقب العام لإخوان سوريا السيد (رياض الشقفة) مقيم في مدينة الرياض العاصمة السعودية.
كل هذه الاعتبارات، وطبيعة النسيج السوري الغني طائفيا وثقافيا، تجعل من السيناريو الليبي أو المصري أو حتى التونسي صعب الحصول في سوريا مابعد الأسد، ويجعلنا نقول إن نسخة الإخوان في سوريا، في مرحلة الربيع أو الفوضى العربية ستكون الأقل سوءا.
هذا كله، معطوفا على خطورة تحالفات نظام الأسد مع طهران والجماعات الكارهة للسعودية ودول الخليج (حزب الله، جماعة الصدر، نوري المالكي وحزب الدعوة، وحتى إخوان غزة ومصر في وقت سابق)، يحتم اتخاذ خيار نهائي باستهداف هذا النظام العدواني السام.
على الأقل ضرر نظام بشار مؤكد، بينما ضرر وجود بديل إخواني أو يشكل فيه الإخوان رقما أساسيا، هو ضرر محتمل، وإذا خُيِّر الإنسان بين ضرر محتمل وضرر مؤكد، سيجنح للمحتمل بلا ريب.
من هنا دقة وتعقيد تقدير الموقف السياسي في الحالة السورية.
القصة ليست تناقضا أو مجرد موقف أخلاقي، رغم بشاعة الجرائم الأسدية، بل فيها تقويم مصلحي أيضا. وليس كما يفهم بعض مسطحي النظر أن ثمة تناقضا في المواقف بين حالات الربيع العربي بين قُطر وقُطر.
منذ بداية الزلزال في المنطقة كان ثمة تغييرات وتبديلات في اتخاذ موقف ما من هذه الثورة أو تلك، وكل طرف يريد، وهذا أمر طبيعي، أن يجر الموقف لصالحه ويدخله في دائرة تفسيره.
حاولت دول في الإقليم توجيه دفة الأحداث وتفسيرها وفق الأجندة الخاصة بها، علي لاريجاني رئيس برلمان إيران، وصف في فبراير (شباط) 2011 ما جري في المنطقة من ثورات جماهيرية بأنها دليل على عودة «الصحوة الإسلامية» في الشرق الأوسط، بل ووصل به الأمر إلى توبيخ مشايخ الأزهر بسبب عدم اشتراكهم في الثورة المصرية، والرسالة الخفية في هذا أن قم هي القلب النابض للصحوة التي يتحدث عنها لاريجاني. كما نشرت «سي إن إن» الأميركية.
المفارقة أن بقية الإسلاميين السلفيين، من حركيين وعلميين، شاطروا لاريجاني أن ما يجري هو دليل على انبعاث الصحوة الإسلامية، وقد أصدروا بيانات حاليا بهذا الخصوص، لكن من المؤكد أنهم يختلفون بشراسة مع لاريجاني في تحديد موديل هذه الصحوة.
غير الإسلاميين، مثل القوميين العرب، رأوا أن ما جرى في مصر وتونس وغيرهما هو دليل على عودة الروح الناصرية العروبية الوحدوية، وقد قرأت في جريدة «الخليج» الإماراتية، ذات النفس القومي، كما سبق أن أشرت في فبراير الماضي، مقالة للكاتب سعد محيو، يرسم فيها مشاعره القومية على سبورة ميدان التحرير، وتذكر فيها الكاتب حديثا دار بينه وبين صاحب الجريدة المرحوم الناشر تريم عمران، وهو مثقف قومي، قبل بضع سنوات، في مقهى بيروتي، حيث قال له تريم بأسى: لقد انتهى زمننا نحن أبناء الثقافة القومية، ليقول له الكاتب سعد محيو، الآن يا تريم عاد زمننا مع ميدان التحرير!
ناهيك عن رغبات أميركا وأوروبا التي ترى فيما يجري في العالم العربي بداية للعهد الديمقراطي الليبرالي، ووصلت السذاجة بأصوات من الكونغرس الأميركي إلى التنبيه من خطر «الإخوان» في مصر.
العناوين العريضة دائما تفلح في جمع كم كبير من الناس تحت بيرق هذا الشعار، لكن في العناوين الصغيرة تبدأ الخلافات، وتتضارب الإرادات.
من أجل ذلك اختلفت وسائل الإعلام العربية في لهجتها وطريقة تغطيتها من مكان لمكان، «الجزيرة» في أحداث البحرين غير «الجزيرة» في أحداث مصر، و«العربية» في ليبيا غير «العربية» في مصر أيضا.
لغة المصالح قوية كما لغة المشاعر أيضا، هذا هو الإنسان، والإنسان يطير دوما بجناحي المثال والمادة، هكذا كان وهكذا سيظل.
بكل حال ما يجري في سوريا الآن يجعلنا نبحث عن أي مخرج، على طريقة: أنا الغريق فما خوفي من البلل!
الشرق الأوسط