صفحات العالم

سوريا والشيطان.. ماذا لو تصالحت الرياض مع طهران؟/ نجاح محمد علي

 

 

على النقيض مما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وهو يبرر فيما يبدو لحلفاء واشنطن «العرب» خصوصا السعودية بأن إيران قادرة على إثارة القلاقل ​فــي الشرق الأوسط «لذا علينا بقبول مشاركتها فـي حل القضية السورية» يرى أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأميرال «العربي» علي شمخاني أن بلاده كانت تؤمن بالحل السياسي لقضية سوريا منذ البدأية، وأن الطرف الآخر (أمريكا وحلفاءها العرب خصوصا السعودية) أدرك في نهاية المطاف أن كلام إيران هو الصائب!.

هذا في العلن وأمام وسائل الإعلام..لكن ما تسرب عن لقاء فيينا الثنائي الذي جمع كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف الخميس، أي قبل يوم واحد من إجتماع فيينا بالمشاركة الإيرانية، يشير الى أن مشاركة إيران في حل الأزمة السورية سياسياً، أُتُفق عليها في (الصفقة النووية الكبرى) كجزء من حل يشمل المسألة النووية، ويتعداه إلى ملفات أخرى تحتك فيها كل من طهران والرياض وتتصارعان. وحتى مع كل التأكيد الذي صدر حينها من كل الأطراف عن النووي ـ وهو صحيح ـ أن المفاوضات بين إيران والمجموعة السدادسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين زائد ألمانيا) ركزت أساسا على المسألة النووية، فإن أصل الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى ما كان ليتم لولا التفاهم في البدايات والنهايات وتحديدا في مسقط بين الأمريكيين والإيرانيين برعاية عُمانية في اب/أغسطس العام 2013 ، على أن تنخرط إيران بجدية في مفاوضات النووي، مقابل الاعتراف بدورها الإيجابي في إزالة التوترات الإقليمية والدولية، وحل أزمات المنطقة كعضو إيجابي: في سوريا والعراق واليمن والبحرين وأيضا في لبنان، وحتى في التسوية المتعثرة للصراع مع إسرائيل، وأن القوى الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، باتت مقتنعة تماماً بأهمية دعم الدور الإيجابي لحكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني، ومحاولة ترجيح كفتها في معادلة الصراع الداخلي العنيفة – غير المعلنة في الكثير من التفاصيل، مع حلقة «الحجتية» القوية والنافذة التي لا تزال تتحكم في مفاصل أساسية من نظام الجمهورية الإسلامية..

التغيير نحو الحل

إجتماعات مسقط التمهيدية لحل الأزمة النووية في (الصفقة الكبرى) التي تشمل أن تصبح إيران جزءاً من الحل في الملفات التي يعتبرها خصومها جزءاً من المشكلة، إلتأمت بوساطة عُمانية، مباشرةً بُعيد تسلم الرئيس المعتدل حسن روحاني مهامه كرئيس للبلاد، في إنتخابات، رفض الولي الفقيه آية الله سيد علي خامنئي تزويرها، ليتجنب ما يسميها هو «فتنة» انتخابات 2009 التي كادت أن تطيح بالنظام، والتي يحمله التيار الإصلاحي مسؤولية تداعياتها المثيرة على نظام الجمهورية الإسلامية..

كانت واشنطن تراقب عبر «أدواتها» ما يجري في الشارع الإيراني من تغيير عبر عنه وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو الذي زار طهران في العام نفسه 2013 بقوله في برنامج للإذاعة البريطانية أنه شاهد «أجواء أخف» من الماضي عندما زار البلاد منذ 12 عاما.

سترو كان قد أجرى مع الإيرانيين عام 2003 في إطار الترويكا الأوروبية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، محادثات حول الملف النووي الإيراني وتوصل مع رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني آنذاك حسن روحاني إلى اتفاق عُرف باتفاقية قصر «سعادت أباد»، علقت إيران بموجبها طوعا تخصيب اليورانيوم بنسبة 5٪ وهو اتفاق لم يصمد طويلاً فقد تم إلغاؤه من قبل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في اب/آغسطس 2005 ما وتر الأجواء وتسبب في فرض عدة قرارات دولية وعقوبات أمريكية وبريطانية وأوروبية على إيران.

وأصبح منذ ذلك الحين مؤكدا لدى بريطانيا وبالتالي، الولايات المتحدة، أن إيران تريد «علاقة مناسبة» مع الغرب يمكن دحرجتها إيجابيا نحو إقليم الخليج،وأن الرئيس روحاني «ملتزم بالتغيير» وأن اللغة التي يتحدث بها رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع العالم قد أدت إلى تغيير نظرة الغرب والولايات المتحدة تجاه إيران.

ومنذ ذلك الحين أيضا ، وحتى قبل الانتهاء من المفاوضات النووية، كانت بريطانيا ومعها أمريكا، تخططان لمشاركة إيران في مؤتمر جنيف2 حول الأزمة السورية دون شروط مسبقة، وهو ما يتفق تماما مع الرغبة الإيرانية، بعد أن حال الرفض السعودي دون مشاركتها في جنيف 1.

المحافظة الـ35

وحرص سترو وهو أيضا رئيس مجموعة الصداقة البريطانية ـ الإيرانية في البرلمان البريطاني خلال تلك الزيارة وزيارة أخرى له إلى طهران قبل أيام، على لقاء مختلف القوى المؤثرة في المشهد الإيراني، ومنهم بالطبع المتشددون المنضمون تحت ما يعرف بتيار المحافظين الجدد، وهم «الحجتية» الذين يتهمهم الإصلاحيون بالعمل عن سابق ترصد وإصرار، على تحطيم الجمهورية الإسلامية، الذين يسيطرون على كل مفاصل الأمن والاستخبارات ويتحكمون في تيار واسع وعريض من الشبان يمكن إرسالهم إلى سوريا زرافات « ليستشهدوا دفاعاً عن طهران»!..

ومن هؤلاء حجة الإسلام مهدي طائب، شقيق حسين طائب مسؤول وحدة الاستخبارات في الحرس الثوري الذي شارك في قمع المحتجين على نتائج الانتخابات عام 2009 ..وصاحب مقولة «سوريا المحافظة الـ35 لإيران، والدفاع عنها أهم استراتيجياً من الدفاع عن محافظة خوزستان التي تقطنها غالبية عربية»

مهدي طائب يترأس مقر «عمّار» الذي أوجد لمواجهة الثورة المخملية الناعمة التي روج التيار المتشدد في إيران إلى أن الاصلاحيين يشاركون فيها لاسقاط الجمهورية الإسلامية، ولم يكن سوى مقر لجمع المناوئين للإصلاح ولنظام ولاية الفقيه الذي أسسه الإمام الخميني الراحل بمقاسات تتعارض مع ما تؤمن به « الحجتية».

مقر «عمّار» الذي يستعد لخوض الانتخابات بشعارات ترفض الانفتاح على الغرب وإقليم الخليج، يواصل منذ إندلاع الأزمة في سوريا، تعبئة الطلاب الجامعيين وعموم شبان إيران لإرسالهم إلى سوريا إذا لزم الأمر خصوصا بعد التدخل العسكري الروسي، بحجة أن إيران أولى من روسيا بالتدخل المباشر، وأن سقوط سوريا يعني سقوط طهران.

باسيج سوري

وبالفعل نجح هؤلاء المحافظون الجدد في إقناع الحرس الثوري بخوض معركة الدفاع عن سوريا، بأسلوب حرب المدن، وهم يعتقدون أن الأسد يمتلك جيشاً، ولكنه يفتقر إلى إالقدرة على إدارة الحرب في المدن السورية ، ولهذا كانوا وراء تشكيل قوات تعبئة ومتطوعي دفاع وطاني لخوض حرب المدن.. كان قوامها 60 ألفا من المتطوعين ليكونوا رديفاً للجيش السوري.

ويُتوقع في الوقت الحالي أن الحلول العسكرية طالما هي المتقدمة على الحلول السياسية من قبل جميع الأطراف المتنازعة في سوريا، فإن حلقة المتشددين في إيران، يصرون على الظهور كمنافس لروسيا، على الرغم من أن التدخل العسكري الروسي هو في الأساس إقتراح إيراني، لايجاد تحالف إقليمي وحتى دولي قوي ضد الإرهاب، لكن المحافظين الجدد «الحجتية» يهتمون بالتصعيد، حتى لو وصل الأمر إلى مواجهة عسكرية تكون طرفها السعودية.

ويعتقد هؤلاء أنه من المبكر أن نرى أفقا جديدا لحل الأزمة السورية، وأنها سوف تصبح أكثر تعقيدا ولا يوجد أي بصيص أمل لإنهاء هذه الحرب في ظل استمرار الوضع على هذا الحال هناك، ولهذا يجب التهيؤ لتدخل إيراني بري واسع، وهو ما لمح له العميد أحمد رضا بوردستان قائد القوات البرية للجيش الإيراني بقوله الخميس «إن القوات الإيرانية تمتلك الجهوزية اللازمة للمشاركة في مجال الحروب بالوكالة، وأن الوحدات الخاصة للجيش أثبتت قدراتها العالية».

وأجرت القوات البرية الإيرانية يومي الأربعاء والخميس مناورات «محرم» المشتركة (شمال وشمالي غربي إيران) وكانت تقييما حقيقيا لوحدات التدخل السريع التابعة للقوة البرية، حيث ستقدم إيران الدعم العسكري لسوريا (وللعراق) لو طلبا ذلك. وهذا الأمر لا يريح واشنطن وحلفاءها ومنهم بريطانيا عندما تزامنت زيارة سترو الأخيرة لطهران مع المناورات، بما يعزز الرؤية السابقة لواشنطن بضرورة مشاركة إيران في الحل السياسي لتهميش المتطرفين الإيرانيين.

الحل في الرياض وطهران

وعموما تختلف المواقف في طهران من المشاركة في اجتماع فينيا، لكن الارتياح هو السمة البارزة إلا لدى «المحافظين الجدد» الذين يرفضون أن يؤدي ذلك إلى مصالحة مع الرياض، بينما المعتدلون ومن خلفهم الإصلاحيون، يرونها فرصة لحوار إيراني سعودي وجها لوجه، وقيل في هذا السياق إن مسقط تحضر لاجتماع من هذا القبيل بعد إجتماع فيينا،يجمع إيرانيين وسعوديين، برعاية أمريكية روسية ودعم بريطاني أشار له وزير الخارجية فيليب هاموند في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير(الأربعاء) بقوله إن «السعودية وإيران أهم وأقوى بلدين في هذه المنطقة ومما يحقق مصالح المنطقة على الأمد الطويل أن يتمكن هذان البلدان أخيرا من التباحث وأن يتمكنا من مناقشة الخلافات وأن يتمكنا من البحث عن حلول سلمية».

المعتدلون الذين يتهيأون لخوض الانتخابات المقبلة مستفيدين من زخم «النووي» ورفع العقوبات المتوقع بحلول العام المقبل، يرون أنه في حال نجاح إجتماع فيينا في التوصل لحلول جذرية في هذا الشأن، فإنه يمكن أن تصبح نتائج فيينا نموذجا يحتذى به لحل ملفات معقدة في المنطقة كالأزمة في العراق اليمن ولبنان، ولا يستبعدون دور السعودية، معولين على عنصر توسيع قاعدة المشاركين في فيينا لصالح «الحوار الإقليمي».

وقالت صحيفة «إيران» التابعة لوكالة الأنباء الحكومية الخميس وكانت كتبت عدة مقالات سابقة دعت إلى تقارب إيراني سعودي: «نشهد تدريجيا إعترافا رسميا بمكانة إيران في المنطقة والتحرك الذي ينشأ من الإحساس بالمسؤولية من قبل الساسة في إيران تجاه أزمات المنطقة الذي يمكن له أن يساعد في إنفراج الأزمة وخفض مستوى التحديات الأمنية وتغيير الأولويات الأمنية للدول المعنية بهذه الأزمة في المنطقة».

أما صحيفة «جوان» المقربة من الحرس الثوري، وتشن حملات منظمة ضد السعودية، فقد اعتبرت دعوة إيران للمشاركة في فيينا شكلية بعد أسابيع قليلة من بدء الجيش السوري وحلفائه في تنفيذ عمليات ناجحة وتقدمهم في ساحة القتال ضد التنظيمات الإرهابية.

لكن الصحيفة أقرت أن الظروف التي تمر بها كل من الدول المعارضة والمؤيدة للنظام السوري، أجبرتهم على المشاركة في إجتماع فيينا «لعل وعسى أن يجدوا حلا سياسيا للأزمة السورية المتفاقمة من أجل إنهاء الصراع الدائر هناك».

ريبة

وتحت خيمة فيينا، ينظر بعض أصوليي إيران بريبة إلى إجتماع فيينا من زاوية أنه قد يوجد انفراجا في علاقات إيران الإقليمية، وهم يشككون في النوايا الأمريكية ويقولون إنه يهدف إلى إظهار مشاركة إيران كنوع من الإستسلام والمساومة، وعلى أنه ثمن التنازل في الإتفاق النووي. «ولكي يخفوا حقيقة دور إيران وجبهة المقاومة البناء في تعزيز الأمن العالمي ومكافحة الإرهاب».

لكن في المقابل يسعى المؤيدون للمشاركة الإيرانية إلى التأكيد على أن إيران لم تغير سياساتها إزاء سوريا وأن المشاركة، تعكس الإهتمام بأن يكون لإيران دور مباشر في صياغة واقع جديد حول مستقبل سوريا، لمنع إنتشار التنظيمات الإرهابية خصوصا داعش والنصرة، ولحفظ البنية السياسية والعسكرية في سوريا، وأن يكون للرئيس السوري بشار الأسد دور مباشر في كل فصول الحل لحين إجراء إنتخابات(وربما مبكرة) لا تصر طهران كثيرا على مشاركته فيها وتترك الأمر لظروف الحل ونضوجه وتأثيرات الأرض والميدان عسكرياً..ورغبة الأسد الشخصية.

الشيطان الأكبر

وأخيرا فان إجتماع فيينا الذي شهد أيضاً مفاوضات إيرانية أمريكية مباشرة، يؤكد من جديد أن التعاون بين طهران وواشنطن بعد النووي سيستمر، وأن على «العرب» استنساخ لغة التفاوض والحوار مع طهران لحل الخلافات وإزالة بؤر الأزمات بدلا من قرع طبول حرب إن وقعت تعم المنطقة بأسرها، وأن هذا التعاون الأمريكي الإيراني يأتي على الرغم من التصريحات التي تبدو متشددة من الطرفين الأمريكي والإيراني بعد الاتفاق النووي، خصوصا من الولي الفقيه آية الله علي خامنئي الذي أعلن الشهر الماضي رفضه أن تجري مفاوضات خارج إطار الملف النووي مع الأمريكيين الذين «لا يخفون عداءهم لإيران» واصفا مرة جديدة الولايات المتحدة بأنها «الشيطان الأكبر» وقائلا: «لقد قبلنا التفاوض مع الولايات المتحدة حول المسألة النووية لأسباب محددة، ومفاوضونا أثبتوا أنهم على مستوى المسؤولية. لم نعط أذناً للتفاوض حول مواضيع أخرى ولن نقوم بذلك».

وبعد بضع أسابيع فقط على تلك التصريحات جاءت مشاركة إيران في إجتماع فيينا، ووجها لوجه مع الأمريكيين، لترسم للمنطقة ملامح خريطة جديدة، تبقى فيها إيران لاعبا في المنطقة بإرادة دولية.

فلماذا لا تصبح كذلك بحوار مباشر، ينزع فتيل حرب باردة، ويوقف حروبا بالوكالة، ويبني للأمن نظاما إقليميا بعيدا عن سباق التسلح والموت والدمار؟!

وماذا لو تصالحت الرياض مع طهران؟!.

 

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى