سوريا وجمعة «ارحل»
طارق الحميد
ما الذي تقوله لنا جمعة «ارحل» في سوريا، وبعد 4 أشهر من الانتفاضة؟ تقول بكل بساطة إن النظام السوري لم يستوعب الدرس لحد الآن، بينما الشارع.. نعم الشارع، أكثر مرونة، وتفهما، وتطورا، ويعرف ماذا يريد بكل وضوح.
فخروج المظاهرات الحاشدة في كل سوريا، وخروج نصف مليون في حماه، يعني أن السوريين مصرون على التغيير، وغير آبهين بالقمع الوحشي، أو الحيل السياسية، والأهم من ذلك أن سقف مطالب الشارع بات أعلى من الجميع، سواء المعارضة التي اجتمعت الاثنين الماضي في دمشق، أو الحلول السياسية المقترحة من الخارج. الشارع السوري لم يكن يصعد، بل كان يتدرج، وهذا ما حدث في مصر أيضا، وكان النظام المصري وقتها متأخرا، وكما قلت مرارا، بفارق ثلاثة أيام، بينما نظام الأسد اليوم متأخر بفارق 40 عاما!
ما يجب أن يحسب للمتظاهرين السوريين أنهم يظهرون انضباطا غير مسبوق على الرغم من كل ما يفعله النظام بهم، فلا عنف، ولا طائفية، ولا تخريب، ولا اندلاع لأعمال نهب وشغب، ومهما قيل عن وجود مسلحين إسلاميين فإنها تظل رواية مشكوكا فيها، ليس في سوريا وحدها، بل وحتى في ليبيا. فما نعرفه، ومنذ اندلاع إرهاب «القاعدة»، أن بصمتها الأساسية التي لا تحتاج لمعلومة أو تحليل هي العمليات الانتحارية، فـ«القاعدة» لا تدشن إرهابها إلا بتلك الطريقة، لأنها السلاح الأرخص، والخوف بالطبع أن تظهر الآن عملية انتحارية في سوريا ليقال: حسنا.. هنا «القاعدة»! لكن قبل أن تتفنن الأجهزة المسخرة للقتل والخداع بافتعال شيء، فلا بد أن نذكر أيضا أن «القاعدة» عادة تستهدف بعملياتها الأهداف السهلة، أو الرخوة، مثل التجمعات، المساجد، الفنادق، وحتى العزاء، وهذا ما لم يحدث سواء في ليبيا أو في سوريا. كما أن مجرد ظهور أو وجود «القاعدة» في سوريا إدانة للنظام، لا المتظاهرين، فكيف توجد «القاعدة» في دولة بوليسية صرفة؟
وعليه، فإن أخطاء النظام السوري وتلكؤه هي التي أوصلته إلى هذا المستوى من الورطة، بل قل إلى هذا الطريق المسدود. فالأمر الوحيد الذي يشتهر به النظام في دمشق، وبامتياز، أنه نظام لا يتعلم من أخطائه أبدا، ولا يتوقف عن نسج الألاعيب. بينما المتظاهرون السوريون عكس ذلك تماما، فهم فطنون ومنظمون، وبات لديهم عمق واضح، وكم هو لافت ما نقلته صحيفة الـ«نيويورك تايمز» عن أحد الناشطين السوريين في حماه، حيث يقول الناشط لقد «تعلمنا من أخطائنا»، مضيفا أن «إشعال ثورة جزئية هو حفر لقبورنا بأيدينا». ولذا، فلا غرابة أن يخرج نصف مليون سوري في حماه، فقد كسر حاجز الخوف، وتعلم المتظاهرون أساليب ترهق الأمن السوري، بينما نجد أن النظام في دمشق لم يتعلم من أخطائه، ولم يقر أبدا بأن الحل الوحيد لأزمته هو الإصلاح، ومن خلال حزمة مشاريع تفوق توقعات الناس، إلا أن هذا الأمر لم يعد ممكنا اليوم، لأنه تأخر كثيرا، وبات الأمر صعبا. ومن هنا نجد، ولأول مرة طوال الأزمة، أن اليد العليا اليوم هي للمواطن السوري، وليس النظام، وها هو مسؤول في الإدارة الأميركية يقول للـ«نيويورك تايمز» إن «الوقت يقف في صف المعارضة (السورية)».
الشرق الأوسط