صفحات العالم

سوريا وفرصة التدخل الإنساني


عائشة المري

أعلنت بعثة مراقبي الأمم المتحدة إيقاف عملها في سوريا بسبب تصاعد العنف، فهل هذا يعني فشل خطة كوفي عنان المبعوث الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية؟ وهل أزمة سوريا أصبحت حرباً أهلية؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي للتعامل مع تصاعد العنف في سوريا؟ حتى اليوم باءت جميع محاولات الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الرامية إلى وقف العنف الدامي في سوريا، ومسؤولية حماية المواطنين السوريين بالفشل، وشهدت مؤخراً تصعيداً متزايداً في أعمال العنف والعنف المضاد من قوات الأسد ومقاتلي المعارضة. وبدا يلوح في سوريا خطر اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد ستمتد إلى جميع أنحاء البلاد، وستنعكس أصداؤها على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمته. ومع تصاعد العنف طرح من جديد خيار “التدخل الإنساني” باستخدام الوسائل العسكرية وتحت مظلة مجلس الأمن، أي قرار يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموافقة جميع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

ويدور جدل واسع بين خبراء القانون الدولي ما بين مؤيدين للتدخل الإنساني في سوريا ومعارضين له. فالمؤيدون يركزون عموماً على الالتزامات الأخلاقية للمجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تجاه حماية حقوق الإنسان، أي الحق في الحماية. ويجادل معارضوه بأن للتدخل أخطاراً وتكاليف تصاحبه، مؤكدين على تعارضه مع مبادئ القانون الدولي، مثل مبدأ السيادة، ومبادئ عدم التدخل الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. فالنزاعات الأهلية من أصعب النزاعات في التفاوض والتسوية وديناميكيات الصراع الداخلي هي -في حقيقة الأمر- التي تحدد اتجاهات التسوية. ويقول نعوم تشومسكي إن “حق التدخل الإنساني إن وجد، مشروط بـ«النية الحسنة» لدى المتدخلين، ولا يقوم هذا الافتراض على الادعاءات الجوفاء التي يصدرونها، وإنما على سجلهم، ولاسيما سجلهم في الالتزام بمبادئ القانون الدولي وقرارات المحكمة الدولية”.

والحق في التدخل الإنساني هو ما استندت إليه الولايات المتحدة وحلف “الناتو” في مسألة التدخل بإقليم كوسوفو عام 1999 بعد أن فشلت في الحصول على قرار من مجلس الأمن، بحجة التدخل الإنساني لحماية ألبان كوسوفو نتيجة لتصاعد العنف في الإقليم من قبل القوات الصربية ضد السكان الألبان، وتصاعد العنف المضاد من قبل جيش تحرير كوسوفو، ما شكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان صنف بعضها كجرائم ضد الإنسانية.

ويرى خبراء القانون الدولي، بعد تدقيقهم المعايير السياسية والقانونية الدولية الخاصة بمثل هذا “التدخل الإنساني” في الحالة السورية، أن قرار التدخل يجب أن يتم اتخاذه تحت مظلة مجلس الأمن وأن يتم تطبيقه تحت مظلة الأمم المتحدة بدءاً بنشر قوات لحفظ السلام أممية مهمتها تأمين ممرات برية آمنة بغية توفير الحماية والمواد الأساسية الغذائية والدوائية للمواطنين السوريين.

إن الأولوية يجب أن تكون الآن، وقبل كل شيء، للوقف الفوري لسفك الدماء في سوريا، بغض النظر عن ترتيبات بقاء أو رحيل نظام الأسد. ويجب أن تعطى كل من روسيا والصين تطمينات كافية بأن التدخل الإنساني سيكون تحت مظلة الأمم المتحدة، وأن يفصّل قرار مجلس الأمن “المأمول” شكل وآليات التدخل الإنساني، ويتخلى على الإدانات وفرض العقوبات أو الدعوة لاستقالة الأسد. والمطلوب اليوم إجماع دولي على التدخل الإنساني.

لا أحد يتمنى حرباً أهلية في سوريا، وقوات حفظ السلام من شأنها تجميد الأوضاع لا تصعيدها، أما نظام الأسد فقد خسر أسس بقائه وبقي رحيله أو انهياره مسألة وقت لا تعنينا هنا بالدرجة الأولى بقدر ما تعنينا الأوضاع الإنسانية المتردية وشلالات الدماء، وحقيقة أن تحقيق السلام الدائم والاستقرار الداخلي في سوريا بعد الخمسة عشر شهراً على الاحتجاجات المستمرة يصعب تصوره مع بقاء نظام الأسد. ولكن سيبقى خيار التنحي أو السفر إلى الخارج مع إعطاء الأسد وأركان نظامه الحصانة خياراً واقعياً في مقاربة للنموذج اليمني.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى