صفحات العالم

سوريا وكذبة تنظيم القاعدة


طارق الحميد

محزن حال السوريين فهم بين نارين: نار نظام طاغ وقاتل، ونار من يحاول النيل من ثورتهم تحت أي عذر، على الرغم من كل ما قدموه من تضحية طوال الأحد عشر شهرا الماضية، وآخر مسلسلات الاضطهاد تلك التي يعانيها السوريون، وتعانيها ثورتهم، هو محاولة الاستدلال بحديث أيمن الظواهري عن سوريا للقول إن «القاعدة» تدعم الثورة السورية.

فما إن صرح زعيم «القاعدة» الظواهري داعيا إلى ما سماه بالجهاد في سوريا حتى هب البعض ليقول إن ما يحدث في سوريا هو بدعم من «القاعدة»، أو إنه دليل على وجودها هناك، وهذا تبسيط، إن لم يكن رغبة في التواطؤ ضد السوريين العزل أنفسهم! وقد يقول قائل: كيف؟ الإجابة بسيطة، فتصريحات الظواهري عن سوريا ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن دعا للثورة في سوريا قبل أشهر كثيرة، وقبل أن تصل الثورة إلى ذروتها الحقيقية، كما سبق للظواهري أن أشاد بالربيع العربي، بل قال ما هو أشد مما قاله عن سوريا حين دعم الثورة المصرية، والتونسية، وكذلك الثورة الليبية، حيث حذر الليبيين من أطماع حلف الناتو، كما طالب الظواهري الجزائريين بالثورة على نظامهم الحاكم. فلماذا لم يقلق أحد حينها من تلك التصريحات، بينما نجد اليوم من يحاول القول إن الثورة السورية مدعومة من «القاعدة»؟

فالظواهري لم يُشد بالربيع العربي فحسب، بل قال إنه يشكل «ضربة قاصمة» للولايات المتحدة الأميركية، وقال إن الربيع العربي «حرر الآلاف من سجناء الحركات الإسلامية من السجون، بعد أن كانوا قد سجنوا بأوامر مباشرة من أميركا». وعلى الرغم من كل ذلك فإننا لم نسمع من يقول، سواء كانوا دولا أو أفرادا، بأن الربيع العربي يأتي بدعم «القاعدة»! بل على العكس لم يأبه أحد وقتها لكلام الظواهري، حيث هب الغرب مطالبا مبارك بالتنحي، وسعى الغرب نفسه لإنجاح المبادرة الخليجية تجاه اليمن، وضمان رحيل صالح، على الرغم من أن «القاعدة» كانت دائما إحدى أوراق اللعبة بيد صالح، مثله مثل نظام بشار الأسد!

ولذا فإن التخويف من «القاعدة» في سوريا ما هو إلا محاولة جديدة للهروب من استحقاقات حماية المدنيين العزل، ومحاولة لتبرير جرائم طاغية دمشق، الذي يمثل خطرا حقيقيا على وحدة سوريا، وشعبها، أكثر من خطر «القاعدة» نفسها. فالنظام الأسدي هو من سعى لتكريس الطائفية في سوريا ليخيف الأقليات، ويجبرها على الوقوف مع نظامه، مثلما سبق لنفس النظام، وبمساعدة من إيران، الاستفادة من «القاعدة» طوال الأعوام العشرة الماضية سواء في العراق، أو خلافه. وهذا الأمر ليس بسر، بل هو أمر معروف لدى كل الأجهزة الاستخباراتية المعنية في المنطقة، وحتى الغرب.

وعليه، فإن ما يجب أن ندركه اليوم هو أن التأخر في رحيل طاغية دمشق، وإطالة منظر الدم، والقتل، والرعب، في سوريا هو الذي من شأنه تصعيد، وتبرير، العنف والقتل، وتفجير الأوضاع، وليس الحديث عن «القاعدة» كما يحاول البعض القول اليوم! هذا ما يجب أن يدركه الجميع، وخصوصا الحريصين على وحدة سوريا، وسلامة شعبها الأعزل.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى