سورية: استنزاف عسكري للنظام
رأي القدس
يبرر المقربون من النظام السوري اصراره على المضي قدما في حلوله الامنية الدموية بالقول بان لديه، اي النظام، قناعة راسخة، بان اي تنازل مهما كان صغيرا لمطالب الشعب السوري في الحريات يعني انهياره بالكامل، لانه يعرف جيدا ان سلسلة هذه المطالب طويلة جدا، ولن تنتهي الا بنهاية النظام، وتقديم كل رموزه المتورطة في القتل وسفك الدماء الى المحاكم بتهم اقلها ارتكاب جرائم حرب.
هذه القناعة الراسخة تظل افتراضية، ويستخدمها الجناح المتطرف الموغل في القتل كذريعة لتعطيل الاصلاحات والاستمرار في سيطرته على مقدرات البلاد بالتالي، بمعنى انها لم تتم تجربتها على ارض الواقع لكي نسلم بالنتائج المترتبة عليها وفق تصورات هذا الجناح، اي انهيار النظام في نهاية المطاف.
نضرب مثلا بدولتين، او حاكمين، تجنبا الاسوأ، وانقذا بلديهما، او نظاميهما من مصاعب كثيرة، وربما الانهيار ايضا، عندما بادرا فورا الى التجاوب مع مطالب المحتجين امام قصريهما، ونفذا الاصلاحات، ونقصد بذلك العاهلين المغربي محمد السادس في اقصى الغرب، والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان في اقصى الشرق.
الاثنان بادرا فورا الى حل الحكومة، والتنازل عن بعض الصلاحيات، واجراء انتخابات حرة ونزيهة غيرت الخريطة السياسية في البلاد، وادت الى فوز اسلاميين بنسبة كبيرة من المقاعد في البرلمان مثلما هو الحال في المغرب.
قد يجادل البعض بان هذه الاصلاحات تظل شكلية او سطحية، لان العاهلين، المغربي والعماني، ما زالا يمسكان بزمام الامور بقوة، ويركزان معظم او جميع السلطات في ايديهما، وهذا الجدل ينطوي على بعض الصحة، او حتى كلها، ولكن العبرة تكمن في كونهما تنازلا، ولو جزئيا، لمطالب شعبيهما، وهو تنازل ادى الى تهدئة الاوضاع، ولو بشكل مؤقت.
الشعبان المغربي والعماني سيواصلان الضغوط من اجل الحصول على المزيد من التنازلات والاصلاحات، وهذا من حقهما، وقد يكون ما حصلا عليه حتى الآن، كافيا في الوقت الراهن، انتظارا لجولة او جولات اخرى في المستقبل، القريب او البعيد، المهم انهما انتفضا مطالبين بحقوقهما، ووجدا من يستجيب لهما بشكل سريع.
المقارنة بين سورية وهاتين المملكتين قد تكون في غير محلها في نظر الكثيرين، ولكن يغيب عن ذهن هؤلاء ان الحكمة من هذه المقارنة تكمن في تسليط الاضواء على كيفية ادارة الازمة، والمحاولات المبذولة لايجاد الحلول لها، بهدف تطويقها، وتقليص اضرارها، وهذا ليس امتداحا للنظامين، لانهما ليسا خاليين من العيوب والنواقص، وانما لتسليط الاضواء على سوء ادارة النظام السوري للازمة واصراره على العناد في رفض المطالب الشعبية، واستخدام اسلوب الحديد والنار لقمع بل وقتل كل من يشق عصا الطاعة على هيمنته وديكتاتوريته.
وبسبب هذا العناد طالت الازمة السورية، واستعصت على الحلول، ودخلت منحى جديدا بعد عشرة اشهر من انطلاق فعاليات الانتفاضة، تمثل يوم امس في اعلان المرصد السوري لحقوق الانسان عن مقتل 33 ضابطا وجنديا من عناصر الجيش الرسمي اثناء مواجهات مع الجيش السوري الحر والعناصر العسكرية المنشقة المنضوية تحت لوائه.
الازمة السورية تدخل مرحلة ‘العسكرة’، وربما الحرب الاهلية الطائفية ايضا، والعسكرة هي بداية او التمهيد للتدخل الدولي او الاقليمي في معظم الاحيان، والمثال الليبي ما زال ماثلا في الاذهان.
الانباء القادمة من نيويورك تفيد بان روسيا بدأت تدلو بدلوها لايجاد مخارج من خلال تقدمها بمشروع قرار الى مجلس الامن الدولي يستند الى مبدأ ادانة جميع الاعمال المسلحة، والبدء في حوار من اجل تطبيق الاصلاحات وفق رقابة دولية. هذه مبادرة مكملة للمبادرة العربية او داعمة لها، وبهدف حقن الدماء وانهاء دوامة القتل المرعبة.
النظام السوري الذي اضاع فرصا عديدة، وابرزها الحلول العربية، لايجاد مخارج من هذه الازمة، وتحقيق مطالب الشعب في التغيير الديمقراطي، مطالب بالتخلي عن حلوله الامنية التي بدأت تعطي نتائج عكسية وتقود البلاد واهلها الى الهلاك، والتعاطي بشكل ايجابي مع المبادرات العربية والروسية، وابرزها وقف القتل والافراج عن المعتقلين جميعا، ومحاكمة كل من تورطوا في سفك الدماء كمقدمة لاصلاح حقيقي ينقل سورية الى المكان الذي تستحق وسط دول وفرت الكرامة والحريات لشعبها واحترمت حقوقه الاساسية.