سورية .. حرية الثوار تبدأ بمصانع السلاح/ الكسندر أيوب
ورش صغيرة لتصنيع الأسلحة انتشرت فوق الأرض السورية، قبل بدء الثورة، كانت معامل صغيرة للحدادة أو إصلاح السيارات، لكنها اليوم، صارت مصانع أهلية تنتج أسلحة الثوار الخفيفة والمتوسطة وأحيانا تصلح الثقيلة التي يغنمونها من النظام.
أهمية مصانع السلاح الاهلية السورية تزايدت في ظل شح أسلحة وذخائر الثوار وربط المانحين للأسلحة بشراء ولاء الثوار والتحكم في إراداتهم خاصة في ظل تلكؤ أمريكا والغرب في تزويد الثوار بمساعدات “فتاكة” تمكنهم من مواجهة التفوق النوعي للنظام.
قصة مصانع الأسلحة السورية الاهلية يرويها التحقيق التالي:
في البدء كانت الرصاصة عملة نادرة ينقب عنها ثوار الجيش الحر في كل مكان مع بداية عسكرة الثورة السورية، وما رافقها من نقص في الذخيرة والسلاح، لكن أحد أحياء دمشق، وتحديداً منطقة جوبر، لجأ ثواره الى تحويل ورشهم الصغيرة لاصلاح السيارات الى مصانع أسلحة، تدخلها اليوم، فتسمع أصوات الآلات وترى تطاير الشرر من ماكينات تقص المعدن تمهيداً الى تحويله لأشكال مختلفة من القذائف. تلاحظ العديد من القذائف بمختلف الأحجام مسندة إلى الحائط، بينما يستند الشاب خالد زعيتر، الى آلة لقص الحديد.
يتحدث “صاحب الأنامل السحرية” كما يسميه أهالي المنطقة لــ”العربي الجديد”، “كنت أعمل في مؤسسة كهرباء ريف دمشق، اعتقلت 6 أشهر ثم فصلت من عملي، فقررت السكن في جوبر بعيداً عن يد النظام، لم أتخيل في يوم من الأيام أني سأعمل في مجال المتفجرات وصناعة الأسلحة، بدأت ضمن ورشة صغيرة أنا، وبعض الأصدقاء، نصنع من بقايا الهواتف الصواعق التي يتم التحكم فيها عن بعد، إضافة إلى ربط دارات القنابل محلية الصنع”.
خالد قال بتفاؤل متحدثاً عن ورشته ” تطورت الورشة لتصبح أقرب إلى المصنع، اليوم يعمل فيها أكثر من 30 شخصاً باختصاصات مختلفة، منهم من يعيد تشكيل المعدن ليأخذ شكل القذيفة أو الصاروخ، وآخرون يمزجون المتفجرات والمواد الدافعة، وبعض يصلح الأسلحة المعطوبة، التي استولى عليها الثوار في المعارك، وهؤلاء الشباب لم يعرفوا عن هذا العمل أي شيء من قبل، وإنما تعلموه نتيجة الحاجة خلال سنوات الثورة، فكلهم أصحاب مهن مختلفة أو عمَال في مؤسسات مختلفة”.
الحاجة أم السلاح؟
الحاجة لتصنيع الأسلحة المحلية ولدت من قلب الظروف غير المتكافئة للمعركة ففي الوقت الذى يحصل فيه جيش الأسد، على إمدادات مستمرة من حلفائه فإن الثوار يتم التعامل معهم بالقطارة ولا يحصلون الا على وعود جوفاء لم يتم ترجمتها الى واقع عملي. ولكن على ما يبدو أن هناك أسباباً أبعد من ذلك دفعت هؤلاء المقاتلين الى إنشاء تلك الورش، فسالم عيدو، المقدم المنشق من جيش النظام، والمشرف اليوم على ورشة لتصنيع الأسلحة في المنطقة الجنوبية من دمشق، أوضح لــ”العربي الجديد ” الأسباب التي دعتهم لإنشاء ورشتهم، “بدأنا منذ عام ونصف في العمل، دفعنا نقص الذخيرة الى ذلك، إضافة الى الولاءات التي يجب أن نتبعها في حال حصولنا على تلك الذخيرة، فكثير من الجهات تعرض علينا السلاح مقابل تبعية معينة أو التحاق بجبهة محددة، ونحن لا نستطيع أن نبقى رهن الذخيرة لذلك بدأنا في هذا العمل لحماية أنفسنا عسكرياً وسياسياً”.
ويضيف عيدو بحدة مؤكداً “مع بداية تشكيل الجيش الحر كانت المعارضة السياسية تركض خلفنا لتحصيل الشرعية، ولكن اليوم استطاعت قلب المعادلة لتجعل أغلب الكتائب المقاتلة تسعى خلفها طلباً للدعم العسكري”.
ومن جهته تداخل الشاب الثلاثيني أحمد مرتضى، الذي يعمل في مجال خلط المواد المتفجرة وإعداد العبوات الناسفة مع عيدو، “الحمد لله إننا كنا يقظين لهذه النقطة، فاليوم دخلت ثورتنا عامها الرابع، ولا يزال العالم يصرح بأنه سيمدنا بأسلحة “غير فتاكة”، فجبهتنا في جنوب العاصمة تقاتل فيها كتائب وفصائل عدة كادت أن تنتهي لولا هذه الورشة الصغيرة، التي تؤمن بعض الذخيرة والقذائف لهم”.
اختصاصات مختلفة
في شمال حلب على تلك الجبهة المشتعلة تقع ورشة عامر، حيث تنتعش مصانع السلاح الصغيرة وتعمل ليلاً نهاراً لإمداد المقاتلين على الجبهات، أبسط الأسلحة المستحدثة هناك هو “القاذف” المصنوع من أنبوب معدني محشو بمسحوق متفجر وفتيل يتم إشعاله بطريقة يدوية إضافة لقذائف الهاون، وأكثرها استثنائية صاروخ ” إسلام”، والذي يصل إلى أهداف بعيدة المدى وذو قوى تفجيرية عالية.
يشرف الصيدلي الكيميائي عامر كافي، في الورشة على خلط المواد المتفجرة وتقدير الكميات المطلوبة، حيث قال وهو يعمل لــ”العربي الجديد” أشرف هنا على صنع المسحوق ذي القوة التفجيرية “ملح البارود” والذي نصنعه بأكثر من طريقة مستخدمين “السماد” والسكر، أو عبر استخراج المادة المتفجرة” تي إن تي” الموجودة في القذائف التي رماها علينا النظام ولم تنفجر، إذ تكون المادة صلبة كالحجر فنقوم بطحنها وإعادة تصنيعها”.
أما عن صاروخ “إسلام” يضيف كافي، إنه عبارة عن أنبوب معدني طوله 1.10 م، يتم حشوه بخليط من نترات البوتاسيوم والسكر، وقال بفخر “صممنا له منصة إطلاق مزودة بشاشة إلكترونية تمكنه من تحقيق هدفه بدقة جيدة”.
إنتاج الورشة متنوع بين تصنيع ذخائر أسلحة رشاشة وقنابل يدوية وصواريخ وقذائف هاون، فضلاً عن تجهيز العبوات المفخخة، كما يلحق بها قسم لصيانة الأسلحة والآليات المعطوبة التي يغتنمها الثوار من النظام، ويشرف على القسم مهندس الكهرباء أبو مصعب الذي يعمل معه أكثر من 10 أفراد، وعن دورهم في هذه الورشة يشرح كافي الأمر بالقول “أقوم بتصنيع الدارات الإلكترونية للوحات التحكم بإطلاق الصواريخ، كما أدرب الشباب المبتدئين على ربط الصاعق بالعبوة الناسفة أو ربطها بجهاز تفجير عن بعد، كما يقوم بعض الشباب هنا بإصلاح الآليات المعطوبة، فقد قمنا الأسبوع الماضي بإصلاح عربة “bmb” اغتنمها الثوار، ويقوم البعض الآخر بتثبيت الرشاشات على سيارات الدفع الرباعي، فيقومون بتثبيت رشاش 14.5 وتزويده بصفيحة من الحديد يقف وراءها رامي الرشاش، حيث لا يستطيع الرصاص أن يخترقها”.
مصانع متنقلة
خليل مرسو، أحد الضباط المنشقين من معامل وزارة الدفاع السورية، التحق بالجيش الحر كمشرف على تصنيع وزرع العبوات الناسفة، ويعمل اليوم مع فريق متنقل لتطوير ابتكارات الثوار من الأسلحة، يتحدث الرجل المتنقل بين ريف دمشق وحمص وحلب لــ”العربي الجديد” عن قدرات الثوار في تصنيع السلاح في المناطق التي عاينها وعمل فيها، “بالنسبة للإمكانات المتاحة فإن ما يصنعه الثوار ممتاز جداً، فنحن كفريق نتنقل بين أكثر من ورشة على جبهات عدة نساعدهم في تطوير الابتكارات، ونقوم بإجراء تجارب على بعض الأسلحة، ونؤكد إجراءات الأمان أثناء التصنيع، مع ملاحظة أن نسبة خطأ 1% تعني تحولك إلى أشلاء، وفي كثير من الأحيان نستفيد من تجاربهم وننقلها لمصانع وورش في جبهات أخرى”.
وعن المشاكل التي يعاني منها الثوار في مصانعهم البدائية، أضاف الضابط خليل “نقص المواد هو المشكلة الرئيسية، إضافة إلى فشل بعض التجارب نتيجة نقص الخبرة، كنا نشكو على جبهة ريف دمشق من عدم انفجار بعض القذائف التي يطلقها الثوار على مناطق النظام، لنكتشف في النهاية أن المسحوق المتفجر مع التخزين الطويل للقذيفة يمتص رطوبة عالية تمنعه من الانفجار، ولكن تجاوزنا تلك المشكلة”.
خليل أكد بأن الثوار استطاعوا تصنيع أسلحة متطورة تفوق إمكاناتهم خصوصاً في مجال الصواريخ، موضحاً الأمر، “استطاعت كتيبة خالد ابن الوليد في حمص تصنيع صاروخ بركان1 وهو فعال، إضافة إلى صاروخ جبل الزاوية وقد تم تطويره بثلاثة إصدارات، وصاروخ إسلام1 الذي صنعته كتائب أحرار الشام، ومدفع حمزة 1 صنعته كتيبة الحمزة بدير الزور، وتم تجريبه في جبهات عدة، إضافة إلى المدفع المميز الذي قامت سرايا الفرقان بتصنيعه وهو B10 مضاد للدروع من عيار 82 “.
ولكن على ما يبدو أن الجيش الحر ليس الوحيد الذي يسعى الى تطوير أسلحته، فقد أعلنت “جبهة النصرة” خلال الشهر الماضي إنشاء مؤسسة “بأس” للإنتاج والتطوير الحربي، “لتكون أول نواة لتصنيع وتطوير سلاح فعال يصنع بنسبة 100 % على أيدي المجاهدين وبصورة فنية مدروسة”. هذا ما حمله بيان الجبهة، ومازال الغموض يكتنف طبيعة هذه المؤسسة وتمركزها.
تنسيق وتجارة
ووفقاً لمراقبين فإن ما يصنعه مقاتلو الجيش الحر من أسلحة غير كاف لحسم المعركة، فأغلب الأسلحة دفاعية خفيفة وليست هجومية، ولكنها في الوقت نفسه ترهق عدوهم، كما خلقت الصناعات البسيطة نوعاً من التبادل بين الكتائب، فبعضها يبيع الذخائر وبعضها الآخر يستبدله بما ينقصه من أسلحة أخرى على الجبهة، هذا ما أكده شادي القاسم، المشرف على ورشة لتصنيع قذائف الهاون في مدينة دير الزور، والذي قال “أغلب الكتائب المقاتلة تتلقى دعما خاصاً، فتقوم بشراء القذائف منا بأسعار مقبولة، فمثلاً قذيفة الهاون التي نقوم بصناعتها نبيعها بــ12 ألف ليرة سورية، بينما القذيفة الروسية من القياس نفسه يبلغ سعرها 75 ألف ليرة سورية وتختلف الأسعار باختلاف القياسات، كما يساعدنا بيع القذائف على تأمين مواد جديدة لاستمرار الصناعة، في الوقت الذي تتخذها بعض من الورش تجارة”.
وتابع “أغلب الكتائب لا تملك القدرة على تصنيع الذخائر، ولكنها تملك العتاد من دبابات أو مدافع ثقيلة، فنقوم بتزويدهم بعدد معين من القذائف، مقابل مساعدتهم لنا بتلك الدبابات أثناء احتياجها كعمليات الاقتحام التي تحتاج إلى أسلحة ثقيلة”.
العربي الجديد